للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنظر الفيل يمنة ويسرة وهما يريدان أن يخبط [١] . فحمل القعقاع وعاصم- والفيل متشاغل بمن حوله- فوضعا رمحيهما [٣٧١] في عيني الفيل الأبيض، فقبع، ونفض رأسه، فطرح ساسته، ودلّى مشفره، فبادره القعقاع، فنفحه بالسيف، فرمى به، وأقعى الفيل، فقتلوا من كان عليه.

وأما حمّال والربّيل فانّهما قالا:

- «يا معشر المسلمين، أىّ الموت أشدّ؟» قالوا: «أن تشدّا على هذا الفيل.» قال: «فنزّقا فرسيهما حتى إذا قاما على السنابك ضرباهما على الفيل الذي بازائهم. فطعن أحدهما عينه فوطئ الفيل من خلفه، ويضرب الآخر مشفره، فيضربه سائس الفيل ضربة شانئة في وجهه بالطبرزين، فأفلت بها هو والربّيل [٢] ، فبقى الفيل متلدّدا بين الصفّين كلّما أتى صفّ المسلمين وخزوه، وإذا أتى صفّ المشركين نخسوه، وصاح الفيلان صياحا عظيما. ثم ولّى الأجرب الذي عوّر، فوثب في العتيق فاتّبعته الفيلة فخرقت صفّ الأعاجم، وعبرت العتيق في إثره، فبيّتت [٣] المدائن في توابيتها، وهلك من فيها، وخلص المسلمون بأهل فارس، ومال الظلّ، فتزاحفوا، واجتلدوا بالسيوف حتى أمسوا. فلمّا طعنوا في الليل اشتدّ القتال [٣٧٢] وصبر الفريقان، ولم يسمع إلّا الغماغم من هؤلاء وهؤلاء، فسمّيت «ليلة الهرير» لم يكن بعدها قتال بليل بالقادسيّة.

ثمّ إنّ سعدا وجّه طليحة وعمرو بن معدى كرب إلى مخاضة كانت أسفل منهم، وخشي أن يؤتى المسلمون منها بعبور الفرس، ووصّاهما أن يقفا هناك، فإن أحسّا بكيد أنذرا المسلمين. فانتهيا إلى هناك، فلم يجدا أحدا. فأمّا طليحة فرأى


[١] . في الأصل: يخبط. في الطبري (٥: ٢٣٢٥) : يتخبّطا.
[٢] . الأصل ومط: بها وهو الربّيل بتقديم «و» على «هو» وما أثبتناه يؤيده الطبري (٥: ٢٣٢٥) .
[٣] . وفي الطبري: فأتت المدائن، وفي حواشيه: فبيّتت (٥: ٢٣٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>