للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتجرع الغيظ منه بالاحتمال، أو تظهر من الاستعفاء ما يؤدى إلى فساد الحال.» فلم يقبل أبو على منه واستبد برأيه وعمل أبو الخطّاب بالأحوط لنفسه وانحرف عن أبى على ومال إلى مطابقة بهاء الدولة فيما ينفق عليه.

قد استمررنا على النهج فى ذكر ما وجدناه فى التاريخ ونحن نرى أنّ أبا على أصاب فى رأيه ولا نرى حزما فيما أشار به أبو الخطّاب عليه من البعد عن حضرة ملك سريع [٤٥٩] التقلّب فى الأحوال، كثير القبول للأقوال إذا بنى معه أمر نقض، وإذا عقد معه عهد نكث. فإذا كان الباني مع حضوره يخاف انتقاض بنائه فكيف يثق ببنائه إذا غاب عن فنائه؟ وهل مجال الأعداء فى الطعن على الوزراء وهم مقيمون فى منصب عزّهم كمجالهم إذا خلت الحضرة منهم ببعدهم؟ كلّا إنّ لسان الغيبة يطول عند الغيبة مع البعد عن بساط المراقبة والهيبة، وكلّ مجر فى الخلاء يسر [١] .

فما أخطأ أبو على فيما رآه، وما عليه ان خانه مقدور، فالقدر حتم والمرء معذور:

غلام وغى تقحّمها فأبلى ... فخان بلاءه الزّمن الخؤون

وكان على الفتى الإقدام فيها ... وليس عليه ما جنت الظّنون

وأطرف من ذلك مشورة أبى الخطّاب عليه باستخلاف من يأمنه بالحضرة ليحفظ عنه وأين الأمين الذي يرعى العهد إذا لابس الحلّ والعقد؟ أليس أبو الخطّاب وكان نائبه وصنيعته جحد إحسانه وطلب مصلحة نفسه فتبرّأ منه وخانه؟


[١] . تفسير المثل عند الميداني (طبع بيروت ١٣١٢) ٦: ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>