للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ننظر إلى ما يصير أمر الناس.» فأمسك عنهم، وأرسل إليهم عمّاله، فجباهم، ثم توثّب عليه قوم بمصر، فداراهم. وكان قيس ذا حزم ورأى. فجبى الخراج لا ينازعه أحد.

وخرج أمير المؤمنين إلى أهل الجمل وهو على مصر، ورجع إلى أرض الكوفة من البصرة وهو بمكانه. فكان أثقل خلق الله على معاوية لقربه من الشام مخافة أن يقبل إليه علىّ في أهل العراق ويقبل إليه قيس في أهل مصر فيقع معاوية بينهما.

فكتب إليه معاوية وعلىّ بن أبى طالب بالكوفة يومئذ، يعظّم عليه قتل عثمان، ويذكر له أنّ صاحبه أغرى به الناس، وحملهم على قتله، ويحمل قيسا على متابعته، ويضمن له سلطان العراقين إذا ظهر، ما بقي [١] ، ويشترط له سلطان الحجاز يولّيه من شاء من أهله، ويقول له بعد ذلك:

- «وسلني غير هذا مما تحبّ، فإنّك لا تسألنى شيئا إلّا أجبتك إليه.» فأجابه قيس بالاعتذار من قتل عثمان، وأنّه لم يشهده [٥٦٦] ولا صاحبه أمير المؤمنين، ولا رضيه، واستمهله مما عرض عليه من متابعته، وقال:

- «لى فيه نظر ورأى.» فلما نظر في كتابه معاوية وقرأه لم يره إلّا مباعدا [٢] ، ولم يأمن أن يكون مكايدا، فكتب كتابا آخر يقول له:

- «لم أرك تدنو فأعدّك سلما، ولم أرك تباعد فأعدّك حربا، وليس مثلي من يصانع بالخداع [٣] ومعى أعنّة الخيل، وعدد الرجال.» فلما قرأ قيس كتابه ورأى أنه لا يقبل منه المدافعة [٤] ، أظهر له ذات نفسه


[١] . في كتاب معاوية: « ... ولك سلطان العراقين إذا ظهرت ما بقيت ... » (الطبري ٦: ٣٢٣٨- ٣٢٣٩) .
[٢] . في الطبري: مقاربا مباعدا (٦: ٣٢٤٠) .
[٣] . في الطبري: من يصانع المخادع (نفس الصفحة) .
[٤] . في الطبري: المدافعة والمماطلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>