للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإسكندر وأرسطوطالس]

ومما يحكى عنه: أنّه كتب إلى أرسطوطالس يخبره: أنّ في عسكره من الروم [٧٠] جماعة من خاصته، لا يأمنهم على نفسه، لما يرى من بعد هممهم وشجاعتهم وكثرة آلتهم، ولا يرى لهم عقولا تفي بتلك الفضائل، ويكره الإقدام بالقتل عليهم بالظنّة، مع وجوب الحرمة.

فكتب إليه أرسطوطالس:

- «فهمت كتابك، وما وصفت به أصحابك. فأمّا ما ذكرت من بعد هممهم فإنّ الوفاء من بعد الهمة. وأمّا ما ذكرت من شجاعتهم ونقص عقولهم عنها، فمن كانت هذه حاله، فرفّهه في معيشته، واخصصه بحسان النساء. فإنّ رفاهة العيش توهى العزم، وتحبّب السلامة، وتباعد من ركوب الخطأ والغرر [١] . وليكن خلقك حسنا تخلص لك النيات، ولا تتناول من لذيذ العيش ما لا يمكن أوساط إخوتك مثله.

فليس مع الاستيثار محبة، ولا مع المواساة بغضة. واعلم أنّ المملوك [٢] إذا اشترى لا يسأل عن مال مولاه وإنّما يسأل عنه خلقه.» [٧١] وكان الإسكندر في الأيام التي لقى فيها دارا، وجل من محاربته، ودعاه إلى الموادعة، لما رأى كثرة عدّته وعتاده وعدد جنده. فاستشار دارا أصحابه في أمره، فغشّوه، وزيّنوا له الحرب، لفساد قلوبهم عليه، وكاتبوا الإسكندر، وأطمعوه فيه. وكان ملك دارا أربع عشرة سنة. فهدّم الإسكندر حصون الفرس، وبيوت النيران، وقتل الهرابذة، وأحرق كتبهم، ودواوين دارا.

وكاتب [٣] معلّمه ووزيره أرسطوطالس يعلمه: أنّه شاهد بإيرانشهر رجالا ذوى أصالة في الرأى، وجمال في الوجوه، لهم مع ذلك صرامة وشجاعة، وأنه رأى لهم


[١] . مط: الغدر. والغرر: الخطر. التعريض للهلكة.
[٢] . مط: الملوك!
[٣] . مط: وكتب إلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>