للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقتل بَجْكَم التّرْكيّ]

وفيها قُتِل بَجْكَم التّرْكيّ أبو الخير. وكان قد استوطن واسطًا، وقرَّر مع الرّاضي أنّه يحمل إليه في العام ثمانمائة ألف دينار. وأظهرَ العدلَ وبنى دار الضّيافة للضّعفاء بواسط. وكان ذا أموالٍ عظيمة. وكان يُخْرجها في الصّناديق، ويخرج الرجال في صناديق أُخَر على الجمال إلى البرّ، ثمّ يفتح عليهم فيحضرون ويدفن المّال، ثمّ يعيدهم إلى الصّناديق، فلا يدرون أين دُفِنوا، ويقول: إنما أفعل هذا لأنيّ أخاف أنّ يُحال بيني وبين داري. فَضَاعت بموته الدّفائن [١] .

قال ثابت بن سِنان: لمّا مات الرّاضي استدعى بَجْكَم والدي إلى واسط، فقال: إني أريد أنّ أعتمد عليك في تدبير بَدَني، وفي أمرٍ آخر أهمّ من بدني، وهو تهذيب أخلاقي. فقد غَلَبَ عليّ الغضب وسوء الخُلُق، حتّى أخرج إلى ما أندم عليه من قتلٍ وضَرْب.

فقال: سمعًا وطاعة.

فحَّدثه بكلامٍ جيد في مُداراة نفسه بالتأني إذا غضب، وحضّه على العفو.

وكان جيش البريديّ قد وصل إلى المَذَار [٢] ، فأنفد بَجْكَم كورتكين وتوزون للقائم، فالتقوا على المذار في رجب، فانكسر أصحاب بَجْكَم وراسلوه يستمدّونه، فخرج من واسط. فأتاه كتابٌ بنَصْر أصحابه، فتصيّد عند نهر جور، وهناك قوم أكراد مياسير، فَشَره إلى أخذ أموالهم، وقَصَدهم في عَدَدٍ يسيرٍ من غلمّانه وهو مُتَخَفٍّ. فهرب الأكراد منه، وبقي منهم غلام أسود، فطعنه برمح، وهو لا يعلم أنّه بَجْكَم، فقتله لتسع بقين من رجب [٣] .


[١] تكملة تاريخ الطبري ١/ ١٢٢، وانظر: تجارب الأمم ٢/ ١١، و ١٢، العيون والحدائق ج ٤ ق ٢/ ٩٨، ٩٩، الإنباء في تاريخ الخلفاء ١٦٨، المنتظم ٦/ ٣٢٠ رقم ٥١٧.
[٢] المذار: بفتح أوله، وبالراء المهملة في آخره. أرض بقرب الكوفة. (معجم ما استعجم للبكري ٤/ ١٢٠٣) وقال ياقوت: المذار في ميسان بين واسط والبصرة وهي قصبة ميسان، بينها وبين البصرة مقدار أربعة أيام. (معجم البلدان ٥/ ٨٨) .
[٣] تكملة تاريخ الطبري ١/ ١٢١، ١٢٢، تجارب الأمم ٢/ ٩، ١٠، العيون والحدائق ج ٤ ق ٢/ ٩٦، ٩٧، تاريخ الأنطاكي ٣٤، الإنباء في تاريخ الخلفاء ١٦٨، المنتظم ٦/ ٣٢٠ رقم ٥١٧، الكامل في التاريخ ٨/ ٣٧١، تاريخ مختصر الدول لابن العبري ١٦٤، نهاية الأرب