للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحاصروا أهلَ دمشق نحوًا من سبعين ليلةً حصارًا شديدًا بالمجانيق [١] ، وجاءت جنود [٢] هِرَقْلَ نجدةً لدمشق، فشغلتها الجنود التي مع ذي الكلاع، فلمّا أيقن أهل دمشق أنّ الأمداد لَا تصل إليهم فشِلُوا ووَهِنُوا.

وكان صاحب دمشق قد جاءه مولودٌ فصنع طعامًا واشتغل يومئذ [٣] ، وخالد بْن الوليد الَّذِي لَا ينام ولا يُنِيم قد هيّأ حبالا كهيئة السّلام، فلما أمسى هيّأ أصحابه وتقدم هو وَالْقَعْقَاعُ بنُ عمرو، ومذعور [٤] بْن عدي وأمثالهم وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السُّور فارقوا إلينا وانْهَدُوا [٥] الباب. قَالَ: فلمّا انتهى خالد ورُفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشُّرف، وعلى ظهورهم القرب التي سبحوا بها في الخندق، وتسلق القعقاع ومذعور فلم يدعا أُحْبُولةً حتى أثبتاها في الشُّرَف، وكان ذلك المكان أحصن مكانٍ بدمشق، فاستوى على السُّور خلقٌ من أصحابه ثم كبّروا، وانحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل البلد إلى مواقفهم لَا يدرون مَا الشأن، فتشاغل أهلُ كل جهةٍ بما يليهم، وفتح خالد الباب ودخل أصحابه عَنوةً، وقد كان المسلمون دَعَوْهم إلى الصلح والمشاطرة فأبّوْا، فلمّا رأوا البلاء بذلوا الصلح، فأجابهم من يليهم، وقبلوا فقالوا: ادخلوا وامْنعونا من أهلِ ذاك الباب، فدخل أهل كل بابٍ بصلح مما يليهم، فالتقى خالد والأمراء في وسط البلد، هذا استعراضًا ونَهْبًا، وهؤلاء صُلْحًا، فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة. وكتب إلى عُمَر بالفتح [٦] .


[١] في تاريخ الطبري: (بالزحوف والترامي والمجانيق) .
[٢] في تاريخ الطبري «خيول» .
[٣] في تاريخ الطبري زيادة: (وغفلوا عن مواقفهم) . وكذا في تهذيب تاريخ دمشق ١/ ١٥٥.
[٤] في نسخة دار الكتب وتهذيب ابن عساكر ١/ ١٥٥ مهملة من النقط، والتصحيح من الأصل وتاريخ الطبري وغيرهما.
[٥] نهد الرجل: نهض ومضى على كل حال، بخلاف النهوض فإنه يكون عن قعود.
[٦] تاريخ الطبري ٣/ ٤٣٨- ٤٤٠ والمؤلّف ينقل عنه بتصرّف واختصار. وانظر تهذيب ابن عساكر ١/ ١٥٥، ١٥٦.