للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منصور بْن تمّام الخطيب ليخطب ببراثا ويُظهر السُّنَّة. فخطب وقصَّر عمّا كَانَ يفعله مِن قَبْله في ذِكْر عليّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَرَموه بالآجُرّ، فنزل ووقف المشايخ دونه حَتَّى أسرع فِي الصلاة. فتألم الخليفة وغاظه ذلك، وطلب الشريف المرتضى، وأبا الحَسَن الزَّيْنبيّ وأمر بمكاتبة السلطان والوزير أَبِي عليّ بْن ماكولا [١] .

[كتاب الخليفة إلى السلطان عَنْ خطبة الشيعي]

وكان فيما كتب: «إذا بلغ الأمير أطال الله بقاءه صاحب الجيش إلى الجرأة عَلَى الدّين وسياسة الدّولة والمملكة، ثَّبتها الله، مِن الرُّعاع والأَوْباش فلا صبر دون المبالغة بما توجبه الحَمِيّة، وقد بلغه ما جرى في يوم الجمعة الماضية في مسجد براثا الّذي يجمع الكفرة والزّنادقة، ومن قد تبرّأ الله منه فصار أشبه شيءٍ بمسجد الضرار. وذلك أنّ خطيبا كان فيه يجري إلى ما لا يخرج بِهِ عند الزَّنْدقة والدّعوى لعليّ بْن أَبِي طَالِب عَليْهِ السلام بما لو كَانَ حيا لقد قابله. وقد فعل ذَلِكَ في الغُوَاة أمثال هَؤلَاءِ الغُثاء الّذين يدعون الله ما تكاد السّماوات ينفطرن منه. فإنه كَانَ في بعض ما يورده هذا الخطيب- قبحه الله- يَقُولُ بعد الصّلاة عَلَى الرَّسُول: وعلى أخيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، مكلّم الجمجمة، ومحيي الأموات البشريّ الإلهيّ، مكلَّم أصحاب الكهف، إلى غير ذَلِكَ مِن الغُلُوّ، فأنفذ الخطيب أبو تمّام، فأقام الخطبة، فجاءه الآجُرُّ كالمطر، فخُلِع كتفه، وكسر كَتِفُهُ، وأُدْمِي وجهه، وأسيط بدمه، لولا أربعة مِن الأتراك فاجتهدوا وحموه وإلا كَانَ هلك. وهذه هَجْمة عَلَى دين الله وفْتك في شريعة رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والضرورة ماسّه إلى الانتقام» [٢] .

[[امتناع الخطبة في جامع براثا]]

ونزل عَلَى الخطيب ثلاثون بالمشاعل، فانتهبوا داره وأغروا حريمه، فخاف الوزير والأمراء مِن فتنةٍ تتولّد، فلم يخطب أحد ببراثا في الجمعة الآتية [٣] .


[ () ] وأربعمائة، ثم تعطّلت إلى الآن. (معجم البلدان ١/ ٣٦٢، ٣٦٣) .
[١] المنتظم ٨/ ٤١، ٤٢، الكامل في التاريخ ٩/ ٣٩٣، ٣٩٤، العبر ٣/ ١٣٤، دول الإسلام ١/ ٢٤٩، ٢٥٠، مرآة الجنان ٣/ ٣٥.
[٢] المنتظم ٨/ ٤٢، ٤٣، مرآة الجنان ٣/ ٣٥، العبر ٣/ ١٣٥، البداية والنهاية ١٢/ ٢٦.
[٣] المنتظم ٨/ ٤٣، الكامل في التاريخ ٩/ ٣٩٤، مرآة الجنان ٣/ ٣٥، العبر ٣/ ١٣٥.