للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- حرف النون-

١٦٦- ناجية بنت أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الحسن بن جردة [١] .


[ () ] الحقيقة أمير، فهو في الحقيقة أجير، قد باع نفسه وأخذ ثمنه، فلم يبق له من نهاره ما يتصرّف فيه على اختياره، ولا له أن يصلّي نفلا، ولا يدخل معتكفا دون التبتّل لتدبيرهم، والنظر في أمورهم، لأن ذلك فضل، وهذا فرض لازم.
وأنت يا صدر الإسلام، وإن كنت وزير الدولة، فأنت أجير الأمّة، استأجرك جلال الدولة بالأجرة الوافية لتنوب عنه في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا ففي مصالح المسلمين، وأما في الآخرة فلتجيب عند رب العالمين، فإنه سيقفه بين يديه ويقول له: ملّكتك البلاد، وقلّدتك أزمّة العباد، فما صنعت في إقامة البذل وإفاضة العدل؟ فلعلّه يقول: يا رب اخترت من دولتي شجاعا عاقلا حازما، وسمّيته قوام الدين نظام الملك، وها هو قائم في جملة الولاة، وبسطت يده في السوط والسيف والقلم، ومكّنته من الدينار والدرهم، فاسأله يا رب ماذا صنع في عبادك وبلادك؟ أفتحسن أن تقول في الجواب نعم، تقلّدت أمور العباد، وملكت أزمّة العباد، فبثثت النوال، وأعطيت الإفضال حتى إني اقتربت من لقائك ودنوت من تلقائك، اتخذت الأبواب، والنوّاب، والحجّاب، والحجاب ليصدّوا عني القاصد، ويردّوا عني الوافد، فاعمر قبرك، كما عمّرت قصرك، وانتهز الفرصة ما دام الدهر يقبل أمرك، فلا تعتذر، فما ثمّ من يقبل عذرك. وهذا ملك الهند وهو عابد صنم ذهب سمعه، فدخل عليه أهل مملكته يعزّونه في سمعه، فقال: ما حزني لذهاب هذه الجارحة من بدني، ولكن لصوت المظلوم كيف لا أسمعه فأغيثه. ثم قال: إن كان قد ذهب سمعي، فما ذهب بصري، فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس الأحمر، حتى إذا رأيته عرفته فأنصفته.
وهذا أنوشروان، قال له رسول ملك الروم: لقد أقدرت عدوّك عليك، بتسهيل الوصول إليك.
فقال: إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظلامة، وأقضي حاجة، وأنت يا صدر الإسلام أحقّ بهذه المأثرة، وأولى بهذه المعدلة، وأحرى من أعد جوابا لتلك المسألة، فإن للَّه الّذي تكاد السماوات يتفطّرن منه في موقف ما فيه إلّا خاشع، أو خاضع، أو مقنع، ينخلع فيه القلب ويحكم فيه الرب، ويعظم الكرب، ويشيب الصغير، ويعزل الملك والوزير يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى ٨٩: ٢٣ ويَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ من خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ من سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ٣: ٣٠، وقد استجلبت لك الدعاء، وخلّدت لك الثناء، مع براءتي من التهمة، فليس لي في الأرض ضيعة ولا قرية، ولا بيني وبين أحد حكومة، ولا بي بحمد الله فقر ولا فاقة.
فلما سمع نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء طويلا، وأمر له بمائة دينار، فلم يأخذها، وقال: أنا في ضيافة أمير المؤمنين، ومن يكون في ضيافته يقبح أن يأخذ عطاء غيره.
وقال له: فضّها على الفقراء.
فقال: الفقراء على بابك أكثر منهم على بابي.
ولم يأخذ شيئا. (المنتظم) .
[١] لم أجدها.