للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للخليفة وقال: أَنَا أُخَلّي البلد لَهُ، وأحقن دماء المسلمين، ونوديَ بالعبور إلى الجانب الشرقيّ، واشتدّت الأمطار حتّى كادت الدُّور أن تغرق. وانتقل الخليفة إلى مخيَّمة بالجانب الغربيّ تحت الرَّقَّة، فعرف السّلطان، وقُرب من بغداد، فبعث برتقش الزَّكَويّ، وأسعد الطُّغْرائيّ، فذهبا إلى الخليفة، وأدّيا رسالة السّلطان وتألُّمه مِن انزعاج الخليفة. ثمّ حشيا في آخر الرّسالة، فقال المسترشد:

أَنَا أقول لَهُ يجب أن تتأخر في هذه السّنة، ولا يقبل، ما بيني وبينه إلّا السّيف.

وقال لبرتقش، أنت كنت السبّب في مجيئه وأنت أفسَدته. وهمَّ بقتله، فمنعه الوزير وقال: هُوَ رسول. فرجعا بكتاب الخليفة وبالرسالة، فاستشاط غضبًا، وأمر بالرحيل إلى بغداد [١] .

[[صلاة الخليفة بالناس يوم الأضحى]]

وفي يوم الأضحي نُصِبت خيمة عظيمة، وصلّى المسترشد الخليفة بالنّاس، وكان المكبّرون خُطباء الجوامع ابن الغريق، وابن المهتدى، وابن التُرَيكيّ [٢] . وصعد المنبر، ووقف وُلّي عهده الراشد باللَّه دونه، بيده سيفٌ مشهور، فقال: الله أكبر، ما سحّت الأنواء، وأشرق الضّياء، وطلعت ذُكاء، وعَلَت عَلَى الأرض السّماء، الله أكبر، ما هَمَع سحاب، ولمع سراب، وأنجح طلاب، وسُرّ قادم بإياب [٣] . وذكر خطبة بليغة، ثمّ جلس، ثمّ قام فخطب وقال:

اللَّهمّ أَصْلِحْني في ذُرّيتي، وأعِنّي عَلَى ما ولّيتني، وأودِعْني شُكر نِعمتك، ووفّقْني وانصُرني. فلمّا أنهاها وتهيّأ للنزول بَدَره أبو المظفَّر محمد بْن أحمد بْن عَبْد العزيز الهاشميّ فأنشده:

عليك سلامُ الله يا خير مِن عَلا ... عَلَى مَنْبرٍ قد حفَّ أعلامه [٤] النَّصْرُ


[ () ]
يا جلال الدين ذا شرح يطول ... وابن الأنباري فما يرجع رسول
والقرايا كلّها صارت تلول ... تزرع الكرّ وتحصد كارتين
(الإنباء في تاريخ الخلفاء ٢١٦) .
[١] الكامل في التاريخ ١٠/ ٦٣٥، ٦٣٦، تاريخ دولة آل سلجوق ١٤١.
[٢] في الأصل: «البرمكي» .
[٣] في الأصل: «وسر قادما أناب» .
[٤] في الأصل: «أعلام» .