للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجلس ابن الجوزيّ بدمشق]

وفيها، قَالَ أَبُو المظفّر سِبط ابن الجوزيّ [١] : خرجتُ من دمشق بِنيَّة الغزاة إِلى نابلس، وكان المَلِك المعظَّم بها، فجلستُ بجامع دمشق في ربيع الأوّل، فكان النّاس من مشهد زين العابدين إِلى بَاب النّاطفيّين، وكان القيام في الصَّحن أكثر، وحُزِروا بثلاثين ألفا، وكان يوما لم يُرَ بدمشق ولا بغيرها مثله. وكان قد اجتمع عندي شعور كثيرة من التّائبين، وكنتُ وقفت عَلَى حكاية أَبِي قُدامة الشَّاميّ مَعَ تِلْكَ المرأة الّتي قطعت شعرها وقالت: اجعلْه قَيدًا لفرسك في سبيل الله، فعملتُ من الّتي اجتمعت عندي شكلا لخيل المجاهدين وكرفسارات، فأمرتُ بإحضارها عَلَى الأعناق، فكانت ثلاث مائة شكال، فلمّا رآها النّاس ضجّوا ضجَّةً عظيمة وقطعوا مثلها، وقامت القيامة، وكان المعتمد والي دمشق حاضرا، وقامَ فجمعَ الأعيان. فلمّا نزلتُ من المنبر قام يطرّق لي، ومشى بين يديَّ إِلى بَابُ النّاطفيّين، فتقدَّم إِلى فرسي فأمسكَ بركابي، وخرجنا من بَابُ الفرج إِلى المُصَلَّى، وجميع مَن كَانَ بالجامع بين يديَّ، وسرنا إِلى الكسوة ومعنا خلقٌ مثل الترّاب، فكان من قرية زَمَلكا فقط نحو ثلاث مائة رَجُل بالعُدد والسّلاح، ومن غيرها خلق خرجوا احتسابا.

وجئنا إِلى عَقَبة فِيق [٢] والوقت مخوف من الفرنج، فأتينا نابلس، وخرج المُعَظّم فالتقانا وفرح بنا، وجلستُ بجامع نابلس، وأحضرت الشّعور، فأخذها المعظّم، وجعلها على وجهه وبكى، ولم أكن اجتمعت به قبل ذلك اليوم، فخدمنا وخرجنا نحو بلاد الفرنج، فأخربنا وهَدّمنا وأسرنا جماعة، وقتلنا جماعة، وعُدنا سالمين مَعَ المعظَّم إِلى الطُّور، فشرع المُعَظّم في عمارة حِصْنٍ عَلَيْهِ، وبناه إِلى آخر سنة ثمانٍ فتكامل سورهُ، وبنى فيه مُدَّةً بعد ذلك، ولا نحصي ما غرم عليه [٣] .


[١] في مرآة الزمان: ٨/ ق ٢/ ٥٤٤- ٥٤٥.
[٢] بين دمشق وطبرية ومنها ينحدر إلى غور الأردن.
[٣] وانظر الخبر أيضا في: ذيل الروضتين ٦٩، ٧٠، والبداية والنهاية ١٣/ ٥٨.