للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقوتهم مُدَّة الحصار، فدخلوا الجبال وتوسَّطوها، فجهّز السُّلطانُ وراءهم ثلاثةَ آلاف فارس، فأخذوا عليهم المضايق والمسالك، وواقعوهم، وقتلوا فيهم وأسروا.

ثمّ خرج في اليوم الموعود، وعبَّى جيشه للمصافّ، فلمّا تراءى الجمعان، خذله أخوه غياث الدِّين وفارقه بعسكره، فتبِعه جَهان بهلوان، لِوحْشَهٍ حدثت له ذلك الوَقْت، وتغافلَ السُّلطان عنه، ووقف التّتار كراديس متفرّقة مترادفة، فلمّا حاذاهم جلالُ الدِّين أمر رجَّاله إصْبَهان بالعَوْدِ، ورأى عسكره كثيرا، وتباعدَ ما بين ميمنة السُّلطان وميسرته حَتّى لم تعرف الواحدة منهما ما حالُ الأخرى، فحملت ميمنته على مسيرة التّتار هزمتها، وفعلت ميسرتُه. فلمّا أمسى السُّلطانُ، ورأى انهزامَ التّتار نزل، فأتاه أحدُ أمرائه وقال له: قد تمنّينا دهرا نُرزق فيه يوما نفرحُ فيه، فما حصل لنا مثلُ هذا اليوم وأنت جالسٌ، فلم يزل به حَتّى رَكِبَ وعَبَرَ الْجُرف، وكان آخِرَ النهار، فلمّا شاهد التّتار السّواد الأعظم، تجرّد جماعةٌ من شجعانهم، وكَمَنُوا لهم، وخرجوا وقت المغرب على مَيْسَرة السُّلطان كالسَّيل وحملوا حملة واحدة، فزالت الأقدام، وانهزموا، وقتل من الأمراء ألب خان، وأُرتق خان، وكوج خان، وبولق خان، وماج الفريقان، وحمي الوطيسُ واشتدّ القتال، وأُسر علاءُ الدَّولة آناخان صاحب يزد، ووقف السُّلطان في القلب وقد تبدَّد نظامُه، وتفرّقت أعلامُه، وأحاط به التّتار، وصار المخلص من شدَّة الاختلاط أضيقَ من سَمِّ الخِياط، ولم يبق معه إلّا أربعة عشر نفسا من خواصّ مماليكه، فانهزم على حمِيَّة، فطعن طعنة لولا الأجلُ، لهلك. ثمّ أفرج له الطّريق، وخَلُصَ من المضيق، ثمّ إنّ القلب والميسرة تمزّقت في الأقطار، فمنهم من وقع إلى فارس، ومنهم من وصل كِرمان، ومنهم من قصد تبريز.

وعادت الميمنة بعد يومين، فلم نسمع بمثله مصافّا لانهزام كِلا الفريقين، وذلك في الثّاني والعشرين من رمضان. ثمّ لجأ السُّلطانُ إلى إصْبَهان، وتحصَّن بها، فلم تصل التّتار إليه، وحاصروا إصْبَهان، ورَدّوا إلى خُراسان [١] .


[١] انظر خبر (الموقعة) في: الكامل لابن الأثير ١٢/ ٤٧٠ (باختصار) ، وسيرة جلال الدين ص ٢٣٢، ودول الإسلام ٢/ ٩٧- ٩٨، والعبر ٥/ ٩٧، والمختار من تاريخ ابن الجزري