للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سلطنة شجر الدرّ]

وسلطنوا عليهم عزّ الدّين أيبك الترُّكُمانيّ، ورجعوا إلى القاهرة، وكاتبوا أمراء الشّام.

قَالَ سعد الدّين: جاء الترُّك إلى دِهْليز السّلطان وحلفوا لشَجَرَ الدُّرّ ولنائبها الأمير عزّ الدّين الترُّكمانيّ [١] . وفي صفر شرعت السّتّ شجر الدُّر فِي الخلع للأمراء، وأعطتهم الذَّهَب والخيل [٢] . وأطلقوا خمسمائة أسير من الفرنج، فيهم مائة فارس.


[ () ] ليختبروا عادة البلد ومنافذ الأنهار والطرق، بل سارعوا وعبروا غديرا في النيل، وساروا نحو مصر بعيدين عن الماء، ووصلوا إلى مكان قحل. وسار وراءهم بعض جنود العرب وأحاطوهم، فأصبح الفرنج بينهم وبين الماء يعذّبهم الجوع والعطش ويعذّب خيلهم. عند ذلك تشجّع العرب وضربوهم ضربة هائلة جدّا وفتكوا بأغلبهم، واعتقلوا الملك وأقطابه ومضوا بهم إلى المعظّم فحبسهم هناك عنده. وأشار عليه المماليك الصغار أقرانه قائلين: إن قتلت هذا الملك الفرنجي فلن تنجو كل حياتك من محاربتهم لأنّ ملوكهم كثيرون وأشدّاء، فالرأي أن تستحلفهم بأنه منذ الآن إلى مائة وعشرين سنة لا ينازل العرب لا هو ولا إخوته ولا أبناؤهم ولا حفدتهم، وأطلقه ليذهب ويشكر لك فضلك عند أبناء دينه. هكذا استرح وارتع في الطمأنينة ولا تبدّد ما خلّفه آباؤك من الكنوز في سبيل الجنود. فأصغى المعظّم إلى مشورتهم، واستحضر ملك فرنسا ليلا إليه واستحلفه كما رأى وأجزل له العطاء وسرّحه.
قيل إنه لما كان ملك فرنسا المشار إليه معتقلا ورده النبأ بأن الملكة امرأته ولدت له ابنا في دمياط. فسمع المعظّم وسيّر إليه عشرة آلاف دينار ذهبا ومهدا للطفل ذهبيا وحللا ملكية.
أما العبيد شيوخ والد المعظّم فلما شعروا بإطلاقه ملك فرنسا ثار ثائرهم ووجّهوا السفن في البحر ليقبضوا عليه. ولكنهم لم يدركوه، فاستلّوا السيوف وبادروا إليه فهرب منهم وصعد إلى برج من خشب كان هناك، فأضرموا فيه النار، فلما وصلت رمى نفسه في البحر واختنق وضاعت جثّته.
أما ملك فرنسا فسار إلى دمياط وأخذ أهله وتوجّه إلى عكّة وأقام بها زمانا وبنى مدينة قيسارية ونحوها من المدن وعاد إلى وطنه» . (تاريخ الزمان ٢٩٤، ٢٩٥) وانظر: تاريخ مختصر الدول ٢٥٩، ٢٦٠.
[١] تاريخ مختصر الدول ٢٥٩، النور اللائح في اصطفاء الملك الصالح لابن القيسراني (بتحقيقنا) ٥٦، الدر المطلوب ٣٨٣.
[٢] الدر المطلوب ٣٨٥، بدائع الزهور ج ١ ق ١/ ٢٨٦.