للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان المهتدي قد استعمال بايكباك وجماعته مِن الأتراك، فكتب إلى بايكباك أنْ يقتل مُوسَى ومُفْلحًا أو يمسكهما، ويكون هُوَ الأمير عَلَى الأتراك كلهم. فأوقف بايكباك مُوسَى عَلَى كتابه وقال: إنيّ لست أفرح بهذا، وإنما هذا يعمل علينا كلنا. فأجمعوا عَلَى أنْ يسير بايكباك إلى سامرّاء، فإنّ المهتدي يطمئن إِلَيْهِ، ثمّ يقتله.

فسار إلى سامرّاء ودخل عَلَى المهتدي فغضب وقال: أمرتك أن تقتل مُوسَى ومفلح فَدَاهنْت.

قَالَ: كيف كنت أقدر عليهما وجيشهما أعظم من جيشي، ولكن قَدْ قدِمت بجيشي ومن أطاعني لأنصُرك عليهما. فأمر المهتدي بأخذْ سلَاحه، فقال: أذهب إلى منزلي وأعود، فليس مثلي من يفعُل بِهِ هذا. فأخذ سلاحه وحبسه. ولمّا أبطأ خبره عَلَى أصحابه قَالَ لهم أَحْمَد بْن خاقان الحاجب: اطلبوا صاحبكم قبل أنْ يفْرُط بِهِ أمرٌ. فأحاطوا بالْجَوْسق، فقال المهتدي لصالح بْن عَلِيّ بْن يعقوب بْن المنصور: ما ترى؟

فقال: قد كَانَ أَبُو مُسلْمِ [١] أعظم شأنًا من هذا العبد، وأنت أشجع مِن المنصور، فاقتله.

فأمر بضرب عنقه، وألقى رأسه إليهم، فجاشوا، وأرسل المهتدي إلى الفَرَاغِنة، والمغاربة والأشَّروسَنيّة، فجاءوا واقتتلوا، فقُتِل مِنَ الأتراك أربعة آلاف، وقيل: ألفان، وقيل: ألف فِي ثالث عشر رجب يوم السبت. وحجز بينهُمُ الليل، ثمّ أصبحوا عَلَى القتال ومعهم أخو بايكباك وحاجبه أَحْمَد بْن خاقان فِي زُهاء عشرة آلاف [٢] .

[[مقتل المهتدي]]

وخرج المهتدي باللَّه ومعه صالح بْن عَلِيّ والمصحف فِي عُنقه، وهو يَقُولُ: أيُّها النّاس انصروا خليفتكم. وحمل عَلَيْهِ طغوبا أخو بايكباك في خمسمائة. فمال الأتراك الذين مَعَ الخليفة إلى طغوبا، والتحم الحرب، فانهزم جمْع الخليفة وكثُر فِيهِمُ القتْل، فولّى منهزمًا والسيف فِي يده، وهو ينادي: أيّها


[١] يريد أبا مسلم الخراساني.
[٢] تاريخ الطبري ٩/ ٤٥١- ٤٥٣، العيون والحدائق ج ٤ ق ١/ ٣٣، ٣٤، التذكرة الحمدونية ١/ ٤١٣ رقم ١٠٧٧.