للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفعاله فاختفى، وردوا المهتدي إلى داره، وبعد شهر قتل صالح بن وصيف.

وفي رجب، قتل المهتدي بالله أمير المؤمنين أبو إسحاق محمد بن الواثق بالله هارون بن المعتصم [بالله] [١] محمد بن الرّشيد العبّاسي، وكانت دولته سنة، وعمره [٢] نحو ثمان وثلاثين سنة، وكان أسمر، رقيقا، مليح الصورة، ورعا، تقيا، متعبدا، عادلا، فارسا، شجاعا، قويا في أمر الله، خليقا للإمارة، لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا على الخير. وقيل: إنه سرد الصوم مدة إمرته، وكان يقنع بعض الليالي بخبز وزيت وخلّ، وكان يشبّه بعمر بن عبد العزيز.

وورد أنه كان له جبة صوف وكساء يتعبد فيه بالليل، وكان قد سدّ باب الملاهي والغناء، وحسم الأمراء عن الظلم، وكان يجلس بنفسه لعمل حساب الدواوين بين يديه، ثم إن الأتراك خرجوا عليه فلبس السلاح وشهر سيفه [٣] ، وحمل عليهم فجرح، ثم أسروه وخلعوه، ثم قتلوه إلى رحمة الله ورضوانه، وأقاموا بعده المعتمد على الله. قاله في «العبر» [٤] .

وقال ابن الفرات: أرادوا أن يبايعوا المهتدي بالله على الخلافة، فقال:

لا أقبل مبايعتكم حتّى أسمع بأذني خلع المعتز نفسه، فأدخلوه عليه، فسلّم عليه بالخلافة، وجلس بين يديه، فقال له الأمراء: ارتفع، فقال: لا أرتفع إلّا أن يرفعني الله، ثم قال للمعتز: يا أمير المؤمنين خلعت أمر الرعية من عنقك طوعا ورغبة، وكل من كانت لك في عنقه بيعة فهو بريء منها، فقال المعتز من الخوف: نعم، فقال: خار الله لنا ولك يا أبا عبد الله، ثم ارتفع حينئذ إلى


[١] زيادة من «العبر» للذهبي.
[٢] في «العبر» : «وعمّر» .
[٣] في الأصل، والمطبوع: «وأشهر سيفه» وما أثبته من «العبر» للذهبي.
[٤] (٢/ ١٧- ١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>