للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجرجان، ثم ارتحال إلى نيسابور، وأدرك أبا الحسن الماسرجسي، وصحبه أربع سنين، ثم ارتحل إلى بغداد، وعلّق على أبي محمد البافي [الخوارزمي] صاحب الداركي، وحضر مجلس أبي حامد [الإسفراييني] . ولم أر ممّن رأيت أكمل اجتهادا، وأشد تحقيقا، وأجود نظرا منه. شرح «مختصر المزني» وصنّف في الخلاف، والمهذب، والأصول، والجدل، كتبا كثيرة، ليس لأحد مثلها، ولازمت مجلسه بضع عشرة سنة، ودرّست أصحابه في مجلسه بإذنه، ورتبني في حلقته، وسألني أن أجلس في مجلسه [١] للتدريس، ففعلت في سنة ثلاثين وأربعمائة، أحسن الله عني جزاءه ورضي عنه.

وقال الخطيب البغدادي [٢] : كان أبو الطيب ورعا، عارفا بالأصول والفروع، محقّقا، حسن الخلق، صحيح المذهب، اختلفت إليه، وعلّقت عنه الفقه سنين.

وقال: سمعت أبا بكر محمد بن محمد المؤدّب، سمعت أبا محمد البافي يقول: أبو الطيب أفقه من أبي حامد الإسفراييني، وسمعت أبا حامد [الإسفراييني] يقول: أبو الطيب أفقه من أبي محمد البافي.

وعن القاضي أبي الطيب أنّه رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المنام، وقال له:

«يا فقيه» وأنّه كان يفرح بذلك ويقول: سمّاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقيها.

وقال القاضي أبو بكر الشامي: قلت للقاضي أبي الطيب- وقد عمّر-: لقد متّعت بجوارحك أيّها الشيخ، فقال: ولم لا؟ وما عصيت الله بواحدة منها قطّ، أو كمال قال.

وقال ابن الأهدل: بلغ أبو الطيب مبلغا في العلم، والدّيانة، وسلامة الصدر، وحسن السمت والخلق، وعليه تفقّه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وولي القضاء ببغداد بربع الكرخ دهرا طويلا، وعاش مائة وسنتين، ويقال:


[١] في «طبقات الفقهاء» : «في مسجد» .
[٢] انظر «تاريخ بغداد» (٩/ ٣٥٨- ٣٦٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>