للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها، فأخذ عنهم الفقه وغيره من العلوم، ثم قصد بغداد سنة (٥٦٠) هـ ونزل عند الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني، فقرأ عليه شيئا من الفقه والحديث، وأقام عنده نحو أربعين يوما، بعدها مات الشيخ الجيلاني، فأخذ عن الشيخ أبي الفتح بن المني الفقه والخلاف، ثم رحل إلى أصبهان فمكث فيها وقتا طويلا يدرس ويدرّس إلى أن عاد إلى بغداد مرة ثانية سنة (٥٧٨) هـ، فحدّث بها، وانتقل من ثمّ إلى دمشق، فأخذ يقرأ الحديث في رواق الحنابلة من مسجد دمشق الأموي، فاجتمع الناس عليه، وكان رقيق القلب سريع الدمعة، فحصل له قبول من الناس عظيم. ثم ضيّق عليه البعض، فرحل إلى بعلبك، ومنها إلى مصر، فنزل عند الطحانين، وصار يقرأ الحديث، فنفق بها سوقه، وصار له حشد وأصحاب، فثار عليه الفقهاء بمصر أيضا، وكتبوا إلى الوزير صفي الدين بن شكر فأقرّ نفيه إلى المغرب، غير أن الحافظ عبد الغني مات قبل وصول كتاب النفي إليه، وذلك سنة ست مائة من هجرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد وصفه جمع من مشاهير العلماء بأوصاف كثيرة تنبئ عن تمكنه من علم الحديث، وتحليقه في إطار علم الرّجال، وصفاء سريرته، وقوة اعتقاده، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وغضبه لانتهاك حدود الله عزّ وجلّ.

قال ضياء الدين المقدسي: كان لا يسأل عن حديث إلا ذكره وبيّنه، وذكر صحته أو سقمه، وكان يقال: هو أمير المؤمنين في الحديث، جاء إليه رجل فقال: رجل حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: لو قال أكثر من هذا العدد لصدق.

وقال تاج الدّين الكندي: لم ير الحافظ عبد الغني مثل نفسه، ولم يكن بعد الدارقطني مثله.

وقال ابن النجار: حدّث بالكثير، وصنّف في الحديث تصانيف حسنة، وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد، قيّما بجميع فنون الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>