للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض، ويستجيد الخيل، وأقام الحلبة، فاجتمع له فيها من خيله وخيل غيره أربعة آلاف فرس، ولم يعرف ذلك في جاهلية ولا إسلام لأحد من الناس، وقد ذكرت الشعراء ما اجتمع له من الخيل، واستجاد الكساء والفرش وعدد الحرب ولأمتها، واصطنع الرّجال وقوّى الثّغور [١] واتخذ القنيّ والبرك بمكّة، وغير ذلك من الآثار [٢] التي أتى عليها داود بن علي في صدر الدّولة العبّاسية.

وفي أيامه عمل الخزّ [٣] فسلك الناس جميعا في أيامه مذهبه، ومنعوا ما في أيديهم فقلّ الإفضال، وانقطع الرّفد، ولم ير زمان أصعب من زمانه.

وكان زيد بن عليّ يدخل على هشام، فدخل عليه يوما بالرّصافة [٤] فلما مثل بين يديه، لم ير موضعا يجلس فيه، فجلس حيث انتهى به مجلسه.

فقال له: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله. فقال له هشام:

أسكت لا أم لك، أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة، وأنت ابن أمة، فقال: يا أمير المؤمنين إن لك جوابا، إن أحببت أجبتك به، وإن أحببت أمسكت عنك، قال: لا بل أجب. قال: إن الأمهات لا يقعدن بالرّجال عن الغايات، وقد كانت أمّ إسماعيل أمة لأمّ إسحاق- صلى الله عليهما وسلم- فلم يمنعه ذلك أن ابتعثه الله نبيا [٥] ، وجعله للعرب أبا، وأخرج من صلبه خير البشر محمدا- صلّى الله عليه وسلّم- أفتقول لي كذا وأنا ابن فاطمة، وابن عليّ؟ وقام وهو يقول:


[١] جمع ثغر، وهو موضع المخافة من فروج البلدان. انظر «مختار الصحاح» ص (٨٤) .
[٢] في الأصل، والمطبوع: «والآبار» وهو تصحيف، والتصحيح من «مروج الذهب» (٣/ ٢١٧) .
[٣] في الأصل، والمطبوع: «الحزر» ، والتصحيح من «مروج الذهب» .
والخزّ: من الثياب. انظر «مختار الصحاح» ص (١٧٤) .
[٤] قال ياقوت: الرصافة: غربي الرّقة، بينهما أربعة فراسخ على طرف البرية، بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام، وكان يسكنها في الصيف. «معجم البلدان» (٣/ ٤٧) .
[٥] في الأصل، والمطبوع: «فلم يمنعه ذلك إلى أن ابتعثه الله نبيا» بزيادة «إلى» وليس لوجودها مبرر، ولعلها من زيادات النساخ، وقد أبقيت العبارة كما جاءت في «مروج الذهب» .

<<  <  ج: ص:  >  >>