للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيدي حبيب رباطا للواردين، وبنى فيه حجرات للمجاورين، ورتّب لها في كل يوم من الطعام ما يحمله إليه بعض الخدام، وكنت أحمل إلى الرّباط فأقيم فيه سحابة يومي، وإذا برجل من أفاضل العجم يدعى محمد شريف، نزل بالرّباط، فلما رآني سأل عني فأخبر، فاصطنع لي دهنا مسّدني به في حرّ الشمس، ولفّني في لفافة من فرقي إلى قدمي، حتى كدت أموت، وتكرّر منه ذلك الفعل مرارا، من غير فاصل، فقمت على قدمي، ثم أقرأني في المنطق، والرياضي، والطبيعي، ثم أفادني اللغة اليونانية، وقال: إني لا أعلم الآن على وجه الأرض من يعرفها غيري، فأخذتها عنه، وأنا الآن فيها بحمد الله هو إذ ذاك، ثم سار [١] . فسرت إلى جبل عاملة، ثم إلى دمشق، واجتمعت ببعض علمائها، كأبي الفتح المغربي، والبدر الغزّي، والعلاء العمادي، ثم دخلت مصر وها أنا فيها إلى الآن.

قال وكان فيه دعابة وحسن سجايا، وكرم نجار [٢] ، وخوف من المعاد، وخشية من الله. كان يقوم الليل إلّا قليلا، ويتبتّل إلى ربّه [٣] تبتيلا.

وكان إذا سئل عن شيء من العلوم الحكمية، والطبيعية، والرياضية، أملى ما يدهش العقل بحيث يجيب على السؤال الواحد بنحو الكرّاسة.

ومن مصنّفاته «التذكرة» [٤] جمع فيها الطب والحكمة، ثم اختصرها في مجلدة، وشرح «قصيدة النفس» لابن سينا شرحا حافلا نفيسا، وقرئ عليه.

قال: وأجازني إجازة طنّانة، ثم أوردها في «السّانحات» فراجعه.

وفيها المولى أحمد المشتهر بمظلوم ملك [٥] .


[١] في «آ» : «ثم سافر» .
[٢] كرم نجار: أي كرم أصل. انظر «لسان العرب» (نجر) .
[٣] في «آ» : «ويتبتل إليه» .
[٤] واسمه الكامل «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب» وهو مطبوع عدة مرات ويعرف ب «تذكرة داود» . انظر «كشف الظنون» (١/ ٣٨٦- ٣٨٧) و «معجم المطبوعات العربية» (١/ ٤٩١) .
[٥] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (٤٩٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>