للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التمثيل ما تقشعرّ له الجلود. واكتفيت أيضا عن بسط القول فيها بشهرتها، فإنّها أشهر الطامّات. فلعن الله كلّ من باشرها وأمر بها، ورضي بشيء منها ولا تقبّل الله منه صرفا ولا عدلا وجعله من الأخسرين أَعْمالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ١٨: ١٠٣- ١٠٤ [١] . وجملة ما جرى في ذلك:

أن يزيد- لعنه الله- لمّا بويع لم يكن له همّ إلا تحصيل بيعة الحسين- رضي الله عنه- والنّفر الّذي حذّره أبوه منهم. فأرسل إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو يومئذ أمير المدينة، يأمره بأخذ البيعة عليهم. فاستدعاهم فحضر الحسين- عليه السّلام- عنده، فأخبره بموت معاوية- رضي الله عنه- ودعاه إلى البيعة.

فقال له الحسين- عليه السّلام- «مثلي لا يبايع سرّا، ولكن إذا اجتمع الناس، نظرنا ونظرت» ثم خرج الحسين- عليه السّلام- من عنده وجمع أصحابه، وخرج من المدينة قاصدا مكّة متأبيا من بيعة يزيد، آنفا من الانخراط في زمرة رعيّته. فلمّا استقرّ بمكّة اتّصل [٢] بأهل الكوفة تأبيه من بيعة يزيد وكانوا يكرهون بني أميّة، خصوصا يزيد، لقبح سيرته ومجاهرته بالمعاصي، واشتهاره بالقبائح.

فراسلوا الحسين- عليه السّلام- وكتبوا إليه، يدعونه إلى قدوم الكوفة ويبذلون له النّصرة على بني أميّة. واجتمعوا وتحالفوا على ذلك، وتابعوا الكتب إليه في هذا المعنى. فأرسل إليهم ابن عمّه مسلم [٣] بن عقيل بن أبي طالب- رضي الله عنه- فلمّا وصل إلى الكوفة فشا الخبر إلى عبيد الله بن زياد [٤]- لعنه الله وأحلّه دار الخزي- وكان يزيد قد أمّره على الكوفة، حين بلغه مراسلة أهلها الحسين- عليه السّلام- وكان مسلم قد التجأ إلى دار هانئ بن عروة [٥]- رضي الله عنه-


[١] سورة الكهف، الآية/ ١٠٤/.
[٢] اتّصل بهم تأبيه: أي بلغهم امتناعه ورفضه لبيعة يزيد بن معاوية.
[٣] مسلم بن عقيل: تابعيّ ذو رأي وشجاعة انتدبه الحسين بن علي للذهاب إلى الكوفة حين راسله أهلها بالبيعة بالخلافة. شعر به عبد الملك بن زياد أمير الكوفة الموالي ليزيد بن معاوية فطلبه حتى قتله عام/ ٦٠/ هـ.
[٤] عبيد الله بن زياد: هو ابن زياد بن أبيه الّذي نماه معاوية إلى أبي سفيان فآخاه.
[٥] هانئ بن عروة: أحد سادات الكوفة وأشرافها من خواص عليّ بن أبي طالب، خالف معاوية في بعض أمره، ولكنّه قتل على يد عبيد الله بن زياد لإيوائه مسلم بن عقيل.

<<  <   >  >>