للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرّجل الّذي أشار إليه بعمر بن عبد العزيز وقد كتم موت سليمان عنهم، وقال لهم:

بايعوا مرّة أخرى، فبايعوا، فلمّا رأى أنّه قد أحكم الأمر، أعلمهم بموت سليمان.

وكان عمر بن عبد العزيز من خيار الخلفاء، عالما زاهدا، عابدا تقيّا ورعا. سار سيرة مرضيّة، ومضى حميدا. وهو الّذي قطع السبّ عن أمير المؤمنين- صلوات الله عليه وسلامه- وكان بنو أميّة يسبّونه على المنابر. قال عمر بن عبد العزيز: كان أبي عبد العزيز بن مروان يمرّ في خطبته يهدّها هدّا، حتّى إذا وصل إلى ذكر أمير المؤمنين عليّ- عليه السّلام- تتعتع، قال: فقلت له ذلك فقال: يا بنيّ: أدركت هذا منّي؟ قلت: نعم قال: يا بنيّ: اعلم أنّ العوامّ لو عرفوا من عليّ بن أبي طالب ما نعرفه نحن، لتفرّقوا عنّا إلى ولده، فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة قطع السبّ وجعل مكانه قوله تعالى: إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ١٦: ٩٠ [١] ومدحه الشعراء على ذلك: فممن مدحه على ذلك كثير عزّة [٢] بقوله

وليت فلم تشتم عليّا، ولم تخف ... بريّا، ولم تتبع مقالة مجرم

وقلت فصدّقت الّذي قلت بالذي ... فعلت، فأضحى راضيا كلّ مسلم

وقد لبست لبس الهلوك [٣] ثيابها ... وأبدت لك الدّنيا بخدّ ومعصم

وتومض أحيانا بعين مريضة ... وتبسم عن مثل الجمان المنظّم

فأعرضت عنها مشتمئزا كأنّما ... سقتك مدوفا [٤] من سمام وعلقم

وقد كنت منها في جبال أرومها [٥] ... ومن بحرها في زاخر السّيل مفعم [٦]

(طويل)


[١] سورة النحل، الآية/ ٩٠/.
[٢] كثيّر عزة: كثيّر بن عبد الرحمن الخزاعي. شاعر غزل ومدّاح، تشيع لآل عليّ ثم انحاز إلى بني أمية يمدحهم وينال عطاياهم. وكانت وفاته/ ١٠٥/ هـ.
[٣] الهلوك: البغيّ الفاجرة، من صفات الدنيا.
[٤] المدوف: الممزوج.
[٥] الأروم: الجذور.
[٦] وردت الأبيات مع بعض الاختلاف، انظر شرحها في ديوان كثيّر بشرح قدري مايو طبعة دار الجيل ص/ ٣٤٢/.

<<  <   >  >>