للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالوا له: الحمد للَّه الّذي أزال سلطانكم وذهب بدولتكم. الحمد للَّه الّذي أتانا بأهل بيت نبيّنا. فلمّا سمع ذلك سار إلى بلد وعبر دجلة وأتى حرّان، ثمّ منها إلى دمشق ثمّ منها إلى مصر وتبعه عبد الله بن عليّ، ثم أرسل خلفه بعض أصحابه فرآه بقرية من قرى الصّعيد اسمها «بوصير» فخرج إليهم ليلا مروان وقاتلهم، فقال لجند بني العباس أميرهم: إن أصبحنا ورأوا قلّتنا أهلكونا ولم ينج منا أحد، فناجزوا القوم. وكسر جفن [١] سيفه، وفعل أصحابه مثله، وحملوا عليهم فانهزموا. وحمل رجل على مروان فطعنه وهو لا يعرفه فصرعه، وصاح صائح، صرع أمير المؤمنين! فابتدروه، فسبق إليه رجل من أهل الكوفة فاحتزّ رأسه، ثم نفض الرّأس وقطع لسانه فأكلته هرة كانت هناك. ثم حمل الرّأس إلى السفاح فوصل إليه وهو بالكوفة، فلما رآه سجد، ثم رفع رأسه وقال: الحمد للَّه الّذي أظهرني [٢] عليك، وأظفرني بك، ولم يبق ثأري قبلك وتمثل [٣] :

لو يشربون دمي لم يرو شاربهم ... ولا دماؤهم للغيظ ترويني [٤]

(بسيط) ثم صفا الملك للسفّاح.

[وهي التي تسلمت الملك من الدولة الأموية]

واعلم أنّ الدولة العباسية كانت دولة ذات خدع ودهاء وغدر، وكان قسم التحيّل والمخادعة فيها أوفر من قسم القوة والشدّة، خصوصا في أواخرها. فإنّ المتأخّرين منهم بطلوا قوّة الشدّة والنّجدة، وركنوا إلى الحيل والخدع وفي مثل ذلك يقول كشاجم [٥] مشيرا إلى موادعة أصحاب السّيوف، وعداوة أصحاب الأقلام ومقاتلة بعضهم لبعض:


[١] جفن السيف: قرابه أو غمده. وكسر الجفن كناية عن الاستمرار في القتال والمناجزة.
[٢] أظهرني: نصرني.
[٣] تمثّل: قال شعرا في المناسبة.
[٤] معنى البيت: إنّ أعدائي من بني أميّة لم يكن ليشفيهم من حقدهم عليّ شاف حتى لو شربوا دمي، كما أنّني لا أشتفي بدمائهم، لشدّة غيظي منهم، وحقدي عليهم.
[٥] كشاجم: أبو الفتح محمود بن الحسين، كاتب وشاعر وأديب مبدع ومتفنن فارسيّ الأصل ولد في العراق وأقام في حلب ومدح الحمدانيين. توفي/ ٣٥٠/ هـ.

<<  <   >  >>