للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لما استوزر الناصر وزيره مؤيد الدين محمّد بن برز القمّي خلع عليه خلع الوزارة ثمّ جلس القمّي في منصب الوزارة والناس جميعا بين يديه فبرز من حضرة الخليفة مكتوب لطيف في قدر الخنصر بخط يد الناصر، فقرئ على الجمع فكان فيه.

«بسم الله الرحمن الرحيم. محمّد بن برز القمّي نائبنا في البلاد والعباد، فمن أطاعه فقد أطاعنا، ومن أطاعنا فقد أطاع الله، ومن أطاع الله أدخله الجنّة ومن عصاه فقد عصانا، ومن عصانا فقد عصى الله، ومن عصى الله أدخله النّار» .

فنبل [١] القمّي بهذا التوقيع في عيون الناس، وجلّت مكانته، وقامت له الهيبة في الصّدور.

والوزارة لم تمتهد قواعدها وتتقرّر قوانينها، إلا في دولة بني عبّاس. فأما قبل ذلك، فلم تكن مقنّنة القواعد، ولا مقرّرة القوانين بل كان لكل واحد من الملوك أتباع وحاشية، فإذا حدث أمر استشار بذوي الحجا [٢] والآراء الصّائبة، فكلّ منهم يجرى مجرى وزير. فلما ملك بنو العبّاس تقرّرت قوانين الوزارة وسمّي الوزير وزيرا، وكان قبل ذلك يسمّى كاتبا أو مشيرا.

قال أهل اللغة: الوزير: الملجأ والمعتصم. والوزير. الثّقل فالوزير إما مأخوذ من الوزر فيكون معناه أن يحمل الثّقل، أو يكون مأخوذا من الوزر، فيكون المعنى أنه يرجع ويلجأ إلى رأيه وتدبيره. وكيف تقلّبت لفظة «وزر» كانت دالة على الملجأ والثّقل.

أوّل وزير وزر لأوّل خليفة عباسيّ، حفص بن سليمان أبو سلمة الخلال.

كان مولى لبني الحارث بن كعب. قيل في تلقيبه بالخلال ثلاثة أوجه: أحدها أنّ منزله بالكوفة كان قريبا من محلّة الخلالين [٣] . وكان يجالسهم فنسب إليهم، كما


[١] نبل: بدا نبيلا.
[٢] الحجا: العقل.
[٣] الخلالين: صانعي الخلّ وبائعيه.

<<  <   >  >>