للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى خراسان ولا يحضر عند المنصور، فخاف المنصور أن يتوجّه أبو مسلم إلى خراسان بهذه الصّفة فتفسد عليه الأمور هناك.

وكان أبو مسلم رجلا مهيبا داهية شجاعا لبيبا جريئا على الأمور، فطنا عالما قد سمع الحديث [١] وعلم أن من كل شيء. فكتب إليه المنصور يطيّب نفسه ويسكّنه ويعده الجميل، ويستدعي منه الحضور. فأجاب بأنّي على الطاعة، وأنّي متوجّه إلى خراسان فإن أصلحت نفسك كنت سامعا مطيعا، وإن أبيت إلا أن تعطي نفسك سؤلها كنت قد نظرت لنفسي بالحال التي تقارنها السّلامة! فاشتدّ خوف المنصور منه وحنقه عليه، وكتب إليه كتابا معناه: إنّك لست في نظرنا بهذه الصّفة التي قد وسمت بها نفسك، وإنّ حسن بلائك في دولتنا يغنيك عن هذا القول.

واستدعى منه الحضور وقال لوجوه بني هاشم: اكتبوا أنتم أيضا إليه فكتبوا إليه يقبّحون عليه خلاف المنصور ومشاقّته ويحسّنون له الحضور عنده والاعتذار إليه، وأرسل المنصور الكتب على يد رجل عاقل من أصحابه، وقال له: امض إليه وحدّثه ألين حديث تحدّثه أحدا، فإن رجع فارجع به حتى تقدم به عليّ، وإن أصرّ على المشاقّة [٢] وصمّم على التوجّه، وأيست منه ولم يبق لك حيلة، فقل له: يقول لك فلان: لست من العباس وبرئت من محمد إن مضيت على هذه الحال، ولم تعد أن يتولّى حربك غيري، وعليّ كذا وكذا إن لم أتولّ أنا ذلك بنفسي. فمضى الرسول إليه وناوله الكتب فقرأها، والتفت إلى صديق له يقال له: مالك بن الهيثم وقال له: ما الرأي؟ قال: الرأي ألا ترجع إليه، فإنك إن رجعت إليه قتلك، وإن مضيت على طريقك حتى تصل إلى الرّيّ [٣] وهم جندك فتقيم وتنظر في أمرك.

فإن حدث لك حادث، كانت خراسان من ورائك. فعزم أبو مسلم على ذلك وقال للرسول: قل لصاحبك: إنّه ليس من رأيي الحضور عندك، وأنا متوجّه إلى


[١] قد سمع الحديث: والصواب فيما بعدها: [وعلم من كلّ شيء] انظر طبعة بيروت ص ١٦٩، وألما ص ١٩٩ ورحما ص ١٢٣.
[٢] المشاقّة: المخالفة والخصومة.
[٣] الرّيّ: مقاطعة جنوبي بحر قزوين وفيها مدينة باسمها.

<<  <   >  >>