للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنصور عليه وباعده بعض المباعدة، وصار يأذن للمهديّ قبله ويجلسه دون المهديّ، وصار يتقصّد أذاه فكان يكون عيسى بن موسى جالسا فيحفر الحائط الّذي يليه وينثر التّراب على رأسه فيقول لبنيه: تنحّوا، ثم يقوم هو فيصلّي، والتّراب ينثر عليه ثمّ يؤذن له فيدخل على المنصور والتّراب عليه لا ينفضه فيقول له المنصور: يا عيسى ما يدخل أحد عليّ بمثل ما تدخل أنت به من الغبار والتّراب، أفكلّ هذا من الشارع فيقول عيسى: أحسب ذلك يا أمير المؤمنين. ولا يشكو!.

وقيل: بل وضع المنصور الجند فصاروا يشتمون عيسى بن موسى إذا رأوه وينالون منه، فلمّا شكا ذلك إلى المنصور قال له يا ابن أخي: إنّي والله أخافهم عليك وعلى نفسي، فإنّهم قد أشربت قلوبهم حبّ هذا الفتى- يعني المهديّ- فلو قدّمته بين يديك! فخلع عيسى نفسه وبايع المهديّ. ولما رآه بعض أهل الكوفة وقد جعل المهديّ قدّامه في الخلافة، وصار هو بعده قال: هذا الّذي كان غدا فصار بعد غد وقيل بل اشتراها المنصور منه بمال مبلغه أحد عشر ألف ألف درهم. وقيل بل أرسل إليه خالد بن برمك فأخذ معه جماعة من أهل المنصور نحو ثلاثين رجلا، ومضى إلى عيسى فخاطبه في أن يخلع نفسه فأبى. فلمّا أبى قال خالد للجماعة، نشهد عليه أنّه قد خلع نفسه ونحقن بذلك دمه، ونسكّن الفتنة.

فشهدوا عليه بذلك فقامت البيّنة به، وأنكر عيسى فلم يلتفت إليه، وتمّ خلعه وبويع للمهديّ. والله أعلم أيّ ذلك كان، والمنصور هو الّذي بنى الرّصافة لابنه المهديّ.

شرح السّبب في بنائها

كان الجند قد شغبوا على المنصور، فقال المنصور لقثم بن العبّاس بن عبيد الله ابن العبّاس ما ترى التياث [١] الجند؟ وإني خائف أن تجتمع كلمتهم! فقال له يا أمير المؤمنين الرّأي أن تعبّر ابنك إلى الجانب الشرقيّ وتعبّر معه قطعة من العسكر وتبني له مدينة فيصير هو في مدينة وعسكر بالجانب الشرقيّ، وأنت في مدينة وعسكر بالغربيّ. فإن رأيك حدث من أحد الجانبين استعنت عليه بالجانب الآخر،


[١] التياث الجند: شغبهم واحتجاجهم.

<<  <   >  >>