للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الديوان كان ينتسب إلى الفضل بن الربيع. ولقد عجبت من الصّاحب علاء الدين- مع نبله واطّلاعه على السّير والتواريخ- كيف رضي أن ينتسب إلى الفضل بن الربيع! فإن كان قد انتحل هذا النسب، ففضيحة ظاهرة، وإن كان حقّا فلقد كان العقل الصحيح يقتضي ستره، فإنه نسب لا يوجد أرذل منه.

فإن أبا فروة كان ساقطا، وكان عبدا للحارث حفّار القبور بمكّة، والحارث مولى عثمان بن عفّان، فأبو فروة عبد عبد عثمان، وفي ذلك يقول الشاعر:

وإنّ ولا [١] كيسان للحارث الّذي ... ولى زمنا حفر القبور بيثرب [٢]

(طويل) وأبو فروة خرج على عثمان يوم الدّار [٣] ، وكفاه بذلك عارا! فانظر هل ترى نسبا أسقط أو أرذل من هذا؟ وأعجب من رأي الصاحب علاء الدين في هذا خلوّ حضرته ممن يعرف هذا القدر، فينبّهه عليه.

كان الرّبيع جليلا نبيلا منفّذا للأمور، مهيبا فصيحا، كافيا حازما، عاقلا فطنا خبيرا بالحساب والأعمال، حاذقا بأمور الملك، بصيرا بما يأتي ويذر محبا لفعل الخير.

روي أنّ المنصور أحضر يوما إنسانا ذكر له أنّه وثب على عامله ببعض النّواحي فقال المنصور ويحك! أنت المتوثّب على فلان العامل؟ والله لأنثرنّ من لحمك أكثر ممّا يبقى منه على عظمك، وكان شيخا كبيرا، فأنشد بصوت ضعيف.

أتروض عرسك [٤] بعد ما هرمت ... ومن العناء رياضة الهرم

(كامل) فقال المنصور: يا ربيع. ما يقول؟ فقال: يقول:

العبد عبدكم والأمر أمركم ... فهل عذابك عنّي اليوم مصروف؟


[١] ولا: ولاء:، والولاء هو الطاعة والالتحاق.
[٢] يثرب: المدينة المنورّة.
[٣] يوم الدار: يوم حصار عثمان بن عفّان في داره حيث قتل عام/ ٣٥/ هـ.
[٤] عرسك: زوجتك. العرس: الزّوج من ذكر أو أنثى.

<<  <   >  >>