للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوّض إليه تدبير المملكة وسلّم إليه الدواوين. وكان مقدّما في صناعته فاخترع أمورا: منها أنه نقل الخراج إلى المقاسمة- وكان السّلطان يأخذ عن الغلات خراجا مقرّرا ولا يقاسم- فلمّا ولي أبو عبيد الله الوزارة قرّر أمر المقاسمة، وجعل الخراج على النّخل والشّجر، واستمرّ الحال في ذلك إلى يومنا، وصنّف كتابا في الخراج، وذكر فيه أحكامه الشرعيّة ودقائقه وقواعده، وهو أول من صنّف كتابا في الخراج، وتبعه الناس بعد ذلك فصنّفوا كتب الخراج، وكان شديد التكبّر والتجبّر.

روي أنّ الرّبيع لمّا قدم من مكّة بعد موت المنصور، وأخذ البيعة للمهديّ حضر من ساعة وصوله إلى باب أبي عبيد الله، فقال له ابنه الفضل: يا أبي، نبدأ به قبل أمير المؤمنين، وقبل منزلنا؟ قال: نعم يا بنيّ، هو صاحب الرجل والغالب على أمره. قال: فوصل الربيع إلى باب أبي عبيد الله الوزير فوقف ساعة حتّى خرج الحاجب ثم دخل فاستأذن له فأذن له. فلمّا دخل عليه لم يقم له، ثمّ سأله عن مسيره وحاله فأخبره وشرع الربيع يحدّثه بما جرى في مكّة من موت المنصور واجتهاده في أخذ البيعة للمهديّ، فسكّته وقال: قد بلغني الخبر فلا حاجة إلى إعادته فاغتاظ الربيع ثم قام فخرج، وقال لابنه الفضل: عليّ كذا وكذا إن لم أبذل مالي وجاهي في مكروهة وإزالة نعمته. ومضى الربيع إلى المهديّ فاستحجبه [١] واختصّ به كما كان مع أبيه فشرع في إفساد حال أبي عبيد الله الوزير بكلّ وجه، فلم يتّفق له ذلك. فخلا ببعض أعدائه وقال له: قد ترى ما فعل معك أبو عبيد الله- وكان قد أساء إليه- وما فعل معي أيضا فهل عندك تدبير في أمره؟ قال الرجل لا والله ما عندي حيلة تنفذ عليه فإنّه أعفّ الناس يدا ولسانا، ومذهبه مذهب مستقيم وحذقه في صناعته ما عليه مزيد وعقله وكفاءته كما علمت. ولكنّ ابنه رديء الطريقة مذموم السّيرة، والقول يسرع إليه. فإن تهيّأ حيلة من جهة ابنه فعسى ذلك فقبّله الربيع بين عينيه، ولاح له وجه الحيلة عليه، فسعى بابنه [٢] إلى المهديّ


[١] استحجبه: جعله حاجبه.
[٢] سعى به: وشى به.

<<  <   >  >>