للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يغلب الشراب عليه يغلبون على رأيه ويحسّنون له هلاكي؟ قال: فإنّي لجالس وعندي بنيّة لي، والكانون بين يديّ، وقدّامي رقاق وكامخ [١] ، وأنا أشطره بالكامخ وأسخّنه بالنار وآكل وأطعم الصّغيرة- وإذا بوقع حوافر الخيل، فظننت أنّ الدّنيا قد زلزلت، فقلت: هذا ما كنت أخافه وإذا الباب قد فتح، وإذا الخدم قد دخلوا والهادي في وسطهم على دابّة، فلما رأيته وثبت فقبّلت يده ورجله وحافر فرسه فقال لي: يا عبد الله: إني فكّرت في أمرك فقلت: ربّما سبق إلى ذهنك أني إذا شربت وحولي أعداؤك، أزالوا حسن رأيي فيك فيقلقك ذلك فصرت إلى منزلك لأؤنّسك وأعلمك أن ما كان عندي من الحقد عليك قد زال جميعه. فهات وأطعمني ممّا كنت تأكل، لتعلم أني قد تحرّمت بطعامك، فيزول خوفك. فأدنيت إليه من ذلك الرقاق والكامخ فأكل، ثمّ قال: هاتوا ما صحبناه لعبد الله فدخل أربعمائة بغل موقرة دراهم وغيرها. فقال: هذه لك، فاستعن بها على أمرك واحفظ هذه البغال عندك لعلّي أحتاج إليها لبعض أسفاري- ثمّ انصرف. ومن كلامه ما قاله لإبراهيم ابن مسلم بن قتيبة، وقد مات له ولد فجاء الهادي يعزّيه وكان عنده بمنزلة عظيمة، فقال له: «يا إبراهيم، سرّك ابنك وهو عدوّ وفتنة، وحزنك وهو صلاة ورحمة؟» فقال إبراهيم يا أمير المؤمنين: ما بقي منّي جزء فيه حزن إلا وقد امتلأ عزاء. وفي أيّامه خرج صاحب فخّ [٢] ، وهو الحسين بن عليّ بن الحسن ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) .

شرح كيفيّة الوقعة بفخّ

كان الحسين بن عليّ من رجال بني هاشم وسادتهم وفضلائهم، وكان قد عزم على الخروج، واتّفق معه جماعة من أعيان أهل بيته، ثمّ وقع من عامل المدينة تهضّم [٣] لبعض آل عليّ (عليه السلام) . فثار آل أبي طالب بسبب ذلك،


[١] الرّقاق: الخبز المنبسط الرقيق، والواحدة منه الرّقاقة. الكامخ: إدام يؤتدم به أو هو المخلّل،
[٢] فخّ: موقع بين مكّة والمدينة.
[٣] التهضّم: الظلم والجور.

<<  <   >  >>