للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الفقهاء وأبناؤهم، وإذا لم يحجّ أحجّ ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الظاهرة. وكان يتشبّه في أفعاله بالمنصور إلا في بذل المال، فإنه خليفة أسمح منه بالمال وكان لا يضيع عنده إحسان محسن ولا يؤخّر. وكان يحبّ الشّعر والشّعراء ويميل إلى أهل الأدب والفقه، ويكره المراء في الدين، وكان يحبّ المديح، ولا سيّما من شاعر فصيح ويجزل العطاء عليه.

قال الأصمعيّ: صنع الرّشيد طعاما: وزخرف [١] مجالسه وأحضر أبا العتاهية [٢] وقال له: صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدّنيا. فقال أبو العتاهية:

عش ما بدا لك سالما ... في ظلّ شاهقة القصور

فقال الرشيد: أحسنت، ثمّ ماذا؟ فقال:

يسعى عليك بما اشتهيت ... لدى الرّواح أو البكور

فقال: حسن، ثم ماذا؟ فقال:

فإذا النّفوس تقعقعت [٣] ... في ظلّ حشرجة [٤] الصّدور

فهناك تعلم موقنا ... ما كنت إلا في غرور

(كامل) فبكى الرّشيد، فقال الفضل بن يحيى: بعث إليك أمير المؤمنين لتسره فحزّنته! فقال الرشيد: دعه فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا منه.

وكان الرشيد يتواضع للعلماء، قال أبو معاوية الضّرير وكان من علماء الناس: أكلت مع الرّشيد يوما فصبّ على يديّ الماء رجل، فقال لي: يا أبا معاوية


[١] زخرف: زيّن.
[٢] أبو العتاهية: هو إسماعيل بن القاسم. نشأ بالكوفة. كنى بأبي العتاهية لميله إلى المجون والتعتّه وتزهد في آخر عمره. اتصل بالمهديّ والهادي والرشيد. كانت وفاته عام/ ٢١١/ هـ
[٣] تقعقعت: اضطربت.
[٤] الحشرجة: صوت خروج الروح عند النزع.

<<  <   >  >>