للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل إنّ أعداء البرامكة، مثل الفضل بن الربيع، ما زالوا يسعون بهم إلى الرّشيد ويذكرون استبدادهم بالملك، واحتجانهم [١] للأموال، حتّى أوغروا صدره فأوقع بهم.

وقيل: إنّ جعفرا والفضل ابني يحيى بن خالد، ظهر منهما من الإدلال ما لا تحتمله نفوس الملوك، فنكبهم لذلك.

وقيل: إن يحيى بن خالد رئي وهو بمكّة يطوف حول البيت ويقول: اللَّهمّ إن كان رضاك في أن تسلبني نعمتك عندي، وتسلبني أهلي ومالي وولدي، فاسلبني إلا الفضل ولدي، ثمّ ولّى، فلما مشى قليلا عاد وقال: يا ربّ إنّه سمج بمثلي أن يستثني عليك اللَّهمّ والفضل، فنكبهم الرشيد بعد قليل.

[شرح مقتل جعفر بن يحيى والقبض على أهله]

كان الرشيد قد حجّ، فلمّا عاد من الحجّ سار من الحيرة إلى الأنبار في السّفن وركب جعفر بن يحيى إلى الصّيد، وجعل يشرب تارة ويلهو أخرى وتحف الرشيد وهداياه تأتيه، وعنده بختيشوع الطبيب، وأبو زكّار الأعمى يغنّيه، فلمّا أظلّ المساء دعا الرشيد مسرورا الخادم- وكان مبغضا لجعفر- وقال: اذهب فجئني برأس جعفر ولا تراجعني، فوافاه مسرور بغير إذن وهجم عليه وأبو زكّار يغنّيه:

فلا تبعد فكلّ فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي

(وافر) فلما دخل مسرور قال له جعفر بن يحيى: لقد سررتني بمجيئك، وسؤتني بدخولك عليّ بغير إذن! فقال: الّذي جئت له أعظم! أجب أمير المؤمنين إلى ما يريد بك، فوقع على رجليه فقبّلهما، وقال له: عاود أمير المؤمنين فإنّ الشراب قد حمله على ذلك، وقال: دعني أدخل داري فأوصي، فقال الدّخول لا سبيل إليه


[١] احتجانهم للأموال: إحرازهم لها من دون غيرهم، احتكارهم للثروة.

<<  <   >  >>