للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمر لي ببخور مستأنف [١] ؟ فاغتاظ المأمون لذلك، وقال: ينسبني إلى البخل وقد علم أنّ نفقتي في كلّ يوم ستة آلاف دينار! وإنّما أردت إكرامه بما كان تحت ثيابي ثم دخل عليه وهو يتبخّر مرة أخرى فقال المأمون، اجعلوا تحته في مجمرة قطع عنبر وضمّوا عليه شيئا يمنع البخار أن يخرج، ففعلوا ذلك به، فصبر عليه حتى غلبه الأمر فصاح: الموت الموت، فكشفوا عنه وقد غشي عليه فانصرف إلى منزله، فمكث فيه شهورا عليلا من ضيق النّفس حتّى مات بهذه العلّة، وقيل: بل مات كمدا لبادرة بدرت منه، فاطّرحه [٢] المأمون لأجلها.

وزارة أبي عباد ثابت بن يحيى بن يسار الرازيّ للمأمون

كان أبو عباد كاتبا حاذقا بالحساب، سريع الحركات أهوج محمّقا، قالوا:

كان المأمون ينشد إذا رآه مقبلا قول دعبل [٣] فيه:

وكأنّه من دير هرقل مفلت ... حرب يجرّ سلاسل الأقياد

(كامل) قيل للمأمون: إنّ دعبلا الشاعر هجاك، فقال: من أقدم على هجاء أبي عباد كيف لا يهجوني؟ ومعنى هذا الكلام: من أقدم على هجاء أبي عباد مع هوجه وجنونه وحدّته، كيف لا يقدم على هجائي مع حلمي ومحبّتي للصّفح؟!.

وكان أبو عباد شديد الحدّة سريع الغضب، ربّما اغتاظ من بعض من يكون بين يديه، فرماه بدواته أو شتمه فأفحش، فدخل إليه الغالبيّ الشاعر وأنشده:

لمّا أنخنا بالوزير ركابنا ... مستعصمين بجوده أعطانا

ثبتت رحى ملك الإمام [٤] بثابت ... وأفاض فينا العدل والإحسانا

يقري [٥] الوفود طلاقة وسماحة ... والناكثين [٦] مهنّدا وسنانا


[١] مستأنف: جديد ومضاف.
[٢] اطّرحه: نبذه وأقصاه.
[٣] دعبل: ولد بالكوفة وأقام ببغداد، كان هجّاء خبيث اللسان، تعصب للعلويّين فأغضب عليه الخلفاء والأمراء فعاش حياته شريدا طريدا توفي عام/ ٢٤٦/ هـ.
[٤] ثبت رحى الملك: استقرّ الحكم.
[٥] يقري: يقدّم القرى، وهو طعام الضيف.
[٦] الناكثين: الغادرين، غير الأوفياء بالعهد.

<<  <   >  >>