للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجلس لردّ المظالم من الفجر إلى العصر واقتصر على أقلّ الطّعام وأخشن الملبوس وولي الوزارة للمقتدر مرارا، كان هو وأبو الحسن عليّ بن الفرات يتناوبان الوزارة مرّة هذا ومرّة ذاك.

وزارة حامد بن العبّاس

كان حامد يتولّى دائما أعمال السّواد، ولم يكن له خبرة بأعمال الحضرة.

وكان كريما مفضالا، جميل الحاشية رئيسا في نفسه، غزير المروءة، قاسي القلب في استخراج المال. قليل التثبّت، سريع الطّيش والحدّة، إلا أنّ كرمه كان يغطّي على ذلك.

حدّث عنه أنّه دخل مرّة إلى دار المقتدر. فطلب منه بعض خواصّ الخليفة شعيرا لدوابّه، فأخذ الدواة ووقّع له بمائة كرّ [١] فقال له آخر من الخواصّ: أنا أيضا محتاج إلى عليق لدوابي، فوقّع بمائة كرّ، وما زال يطلب منه واحد واحد من خواصّ الخليفة وهو يوقّع، حتّى فرّق ألف كرّ في ساعة واحدة. ولمّا عرف المقتدر قلّة فهم حامد وقلّة خبرته بأمور الوزارة، أخرج عليه عليّ بن عيسى بن الجرّاح من الحبس، وضمّه إليه وجعله كالنائب له، فكان عليّ بن عيسى لخبرته هو الأصل، فكلّ ما يعقده ينعقد، وكلّ ما يحلّه ينحلّ. وكان اسم الوزارة لحامد وحقيقتها لعليّ بن عيسى، حتّى قال بعض الشّعراء:

قل لابن عيسى قولة ... يرضى بها ابن مجاهد

أنت الوزير وإنّما ... سخروا بلحية حامد

جعلوه عندك سترة ... لصلاح أمر فاسد

مهما شككت فقل له: ... كم واحدا في واحد؟

(كامل)


[١] الكرّ: من المكاييل التي كانت معروفة، يساوي أربعين إردبا، والإردب أربعة وعشرون صاعا، والصّاع بمقدار كأس كبيرة.

<<  <   >  >>