للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هذه الجهة إيثارا لنفعه، فما زال على ذلك حتى علت حاله وكثر ماله، ولمّا ولي ابن الفرات الوزارة الثانية تمكن ابن مقلة في دولته، ونبعت حاله وعرض جاهه، ثم إنّ الشيطان نزع بينه وبين أبي الحسن عليّ بن الفرات فاستوحش كلّ منهما من صاحبه، فكفر ابن مقلة إحسان ابن الفرات، ودخل في جملة أعدائه والسّعاة عليه، حتّى جرت النكبة على ابن الفرات، فلمّا رجع ابن الفرات إلى الوزارة قبض عليه وصادره على مائة ألف دينار أدّتها عنه زوجته، وكانت ذات مال طائل، وكانت لابن مقلة يد طولى في الكتابة والإنشاء، وكانت توقيعاته غير مذمومة في فنّها، وله شعر فمنه:

جرّبني الدّهر على صرفه [١] ... فلم أخر [٢] عند التّصاريف

ألفت يوميه [٣] ويا ربّما ... يؤلف شيء غير مألوف

(سريع) حدّث أبو عبد الله أحمد بن إسماعيل المعروف بزنجيّ كاتب ابن الفرات قال لما نكب ابن مقلة وحبس لم أدخل إليه في محبسه، ولا كاتبته ولا توجعت له، على ما بيني وبينه من المودة والصّداقة، خوفا من ابن الفرات. فلمّا طالت به المحنة كتب إليّ رقعة فيها:

ترى حرمت [٤] كتب الأخلاء بينهم ... أبن لي، أم القرطاس [٥] أصبح غاليا؟

فما كان لو ساءلتنا كيف حالنا ... وقد دهمتنا نكبة هي ما هيا؟

صديقك من راعاك في كلّ شدّة ... وكلّ تراه في الرّخاء مراعيا

فهبك عدوّي لا صديقي فإنني ... رأيت الأعادي يرحمون الأعاديا

(طويل)


[١] صرف الدّهر وصروفه وتصاريفه: أحداثه ومصائبه.
[٢] لم أخر: لم أخيّر بل أجبرت إجبارا.
[٣] يوميه: قصد بها يوم البؤس ويوم النعيم.
[٤] حرمت: أصبحت من المحرّمات.
[٥] القرطاس: ورق الكتابة.

<<  <   >  >>