للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الّذي أورد هذا الثّبت كاتبا من جملة عشرة كتبة يكتبون صدقاته خاصّة. ولمّا ولي ظهير الدين المذكور كتب إليه ابن الحريري صاحب المقامات:

هنيئا لك الفخر فافخر هنيئا ... كما قد رزقت مكانا عليّا

وبت كآبائك الأكرمين ... لدست [١] الوزارة كفؤا رضيّا

تحمّلت أعباءها يافعا ... كما أوتي الحكم [٢] يحيى صبيّا

(متقارب) كان يصلّي الظّهر ويحضر لكشف المظالم إلى وقت العصر، وكان الحجّاب ينادون في الناس: من كانت له حاجة فليعرضها.

ومن مناقبه: أنّه لما وقعت الفتن بين السنيّة والشّيعة بالكرخ وباب البصرة من مدينة السلام، تغاضى عن إراقة الدماء غاية التغاضي، حتى قال له المقتدي:

إن الأمور لا تمشي بهذا اللين الّذي تستعمله، وقد أطمعت النّاس بحلمك وتجاوزك، ولا بدّ من نقض دور عشرة من كبار أهل المحال حتّى تقوم السّياسة وتسكن هذه الفتن. فأرسل الوزير إلى المحتسب وقال له: قد تقدّم الخليفة بنقض دور عشرة من كبار أهل المحالّ ولا تمكنني المراجعة فيهم، وما آمن أن يكون فيهم أحد غير مستحقّ للمؤاخذة، أو أن يكون الملك ليس له، فأريد أن تبعث ثقاتك إلى هذه المحالّ وتشتري أملاك هؤلاء المتّهمين فإذا صارت الأملاك لي نقضتها وأسلم بذلك من الإثم ومن سخط الخليفة. ونقده الثّمن في الحال، ففعل المحتسب ذلك، ثمّ بعد ذلك أرسل ونقضها. وحجّ بيت الله تعالى. ولم يؤرّخ عن وزير أنّه حجّ في أيّام وزارته إلا هذا، فإنّ الوزارء قبله كانوا يحجّون بعد خلوّهم من الوزارة، إلا البرامكة فإنّهم حجّوا في حال وزارتهم. وطلب السّلطان جلال الدولة ملك شاه من المقتدي عزل هذا الوزير، فخرج توقيع المقتدي بعزله على حالة جميلة لم يصرف بمثلها وزير، وانصرف إلى داره وهو ينشد:


[١] دست الوزارة: صدرها ومنصبها، وكلمة دست فارسيّة.
[٢] قوله كما أوتي الحكم يحيى صبيّا: إشارة واقتباس من القرآن الكريم يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ١٩: ١٢ سورة مريم، الآية/ ١٢/.

<<  <   >  >>