للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ ملك بعده عمّه المقتفي لأمر الله أبو عبد الله محمّد بن المستظهر

بويع له بالخلافة سنة ثلاثين وخمسمائة.

كان المقتفي من أفاضل الخلفاء، ولمّا أجلسه مسعود وبايع له، وكان قد أخذ جميع ما بدار الخلافة من ذهب أو أثاث ورحل وغير ذلك، وتصرّف نوّابه في جميع جميع أعمال العراق- أرسل إلى المقتفي يقول له: اذكر ما تحتاج إليه أنت وكلّ من يتعلّق بك حتّى أعيّن لك به إقطاعات، فأرسل إليه المقتفي يقول: عندنا بالدار ثمانون بغلا تنقل الماء من دجلة ليشربه عيالنا، فانظر أنت كم يحتاج إليه من يشرب في كلّ يوم ماء يحمله ثمانون بغلا؟ فقال مسعود: لقد أجلسنا في الخلافة رجلا عظيما، فاللَّه تعالى يكفينا شرّه. وجرت في أيّامه فتن وحروب بينه وبين سلاطين العجم كانت الغلبة فيها له. وثار في أيّامه العيّارون والمفسدون، فنهض بقمعهم أتمّ نهوض. وتوفي المقتفي في سنة خمس وخمسين وخمسمائة.

شرح حال الوزارة في أيّامه

أوّل وزرائه الزّينبيّ أبو القاسم عليّ بن طراد العبّاسيّ وزير أخيه المسترشد استوزره حين بويع، لأنّه هو الّذي قام في بيعته وأشار على مسعود به، ومكث مدّة في وزارة المقتفي، ثمّ جرت بينه وبينه وحشة خاف فيها منه، فاستجار بدار السلطان وأقام بها مدّة معتصما من المقتفي، إلى أن روسل الخليفة من جهة السّلطان في معناه فأذن في عوده إلى داره مكرّما، فانصرف إلى داره وأقام بها على قدم البطالة واضمحلّ أمره ورقّ حاله، ولقي شقاء عظيما وضائقة شديدة، حتّى إنه مرض فاشتهت نفسه شيئا من المشموم فلم يقدر على ثمنه، وقد كان أنفق أكثر ماله لما كان مستجيرا بدار السّلطان على خواتينه [١] وأتباعه وأرباب دولته، وكانت مواهبه دارّة على أكثر أرباب الدّولة وغيرهم من العلماء والوافدين والطالبين


[١] الخواتين: جمع خاتون وهي المرأة الشريفة من نساء الملوك. والكلمة أعجميّة.

<<  <   >  >>