للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرية فجاء هذا الشّحنة [١] وأخذ جماعة من أهل القرية وأخذني معهم مكتوفا في عرض الفرس، وبالغ في أذاي وضربي، ثمّ أخذ من كلّ واحد منهم شيئا وأطلقهم وبقيت أنا معه، فقال لي: أعطني شيئا أخلصك، فقلت: والله ما أملك شيئا، فأعاد عليّ الضرب والإهانة، ثمّ قال لي: اذهب إلى لعنة الله، ثم أطلقني، فأنا لا أحبّ أن أرى صورة وجهه.

ومن أفكاره اللطيفة، أنّ الوزراء كانوا قبله يلقّبون ألقابا من جملتها: سيّد الوزراء، فتقدّم هو إلى الكتّاب ألا يكتبوا هذا اللقب في ألقابه، وقال إنّني افتكرت في هذا فرأيت الله تعالى قد سمّى هارون وزيرا، حتّى قال (عزّ من قائل) حكاية عن موسى- عليه السّلام-: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً من أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ به أَزْرِي [٢] ٢٠: ٢٩- ٣١ وسمعت عن (النبيّ عليه السّلام) أنه قال: «لي وزيران من أهل السّماء: جبرائيل ومكيائيل، ووزيران من أهل الأرض: أبو بكر وعمر» وقال عليه السّلام: «إنّ الله تعالى اختار لي أصحابا فجعلهم وزراء وأنصارا» وحدّث عنه بعض مجالسيه قال: كنّا يوما عنده فدخل الحاجب وقال:

يا مولانا بالباب رجل سواديّ، يذكر أنّه فلان بن فلان، ومعه شملة مكوّرة، وهو يطلب الحضور بين يديك فعرفه الوزير وقال له: أدخله، وقال: فدخل شيخ طويل من أهل السّواد عليه ثياب غليظة من القطن وعمامة فوط ملونة، وفي رجله جمجمان [٣] فسلّم على الوزير وقال: يا سيّدي أم الصّغيرات- يعني زوجته- لمّا علمت أني أجيء إلى بغداد قالت لي: سلّم على الشّيخ يحيى بن هبيرة واستوحش له [٤] ، وقد خبزت لك هذا الخبز على اسمك، فتبسّم الوزير وهش به وقال: جزاها الله خيرا وحلّ تلك الشّملة فإذا فيها خبز شعير مشطور بكامخ التوت، فأخذ الوزير منه رغيفين وقال: هذا نصيبي من هذه الهديّة، وفرّق الباقي على


[١] الشّحنة: هنا، ضابط الأمن في البلد، ما يعرف لدى عوام اليوم بالبوليس.
[٢] سورة طه، الآيات/ ٢٩- ٣٠- ٣١/.
[٣] جمجمان: نعلان خشبيّان.
[٤] استوحش له: أظهر اشتياقك ووحشتك لبعده عنك.

<<  <   >  >>