للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البلاغة يشتمل على عشرين مجلدا، فأثابهما وأحسن جائزتهما، وكان ممدحا، مدحه الشعراء وانتجعه الفضلاء، فممن مدحه كمال الدين بن البوقيّ بقصيدة من جملتها:

مؤيّد الدين أبو طالب ... محمد بن العلقميّ الوزير

(سريع) وهذا بيت حسن جمع فيه بين لقبه وكنيته واسم أبيه وصنعته وكان مؤيد الدين الوزير عفيفا عن أموال الديوان وأموال الرعية، متنزها مترفعا قيل إن بدر الدين صاحب الموصل أهدى إليه هدية تشتمل على كتب وثياب ولطائف قيمتها عشرة آلاف دينار، فلما وصلت إلى الوزير حملها إلى خدمة الخليفة وقال: إن صاحب الموصل قد أهدى لي هذا واستحييت منه أن أرده إليه، وقد حملته وأنا أسأل قبوله فقبل، ثم إنه أهدى إلى بدر الدين عوض هديته شيئا من لطائف بغداد قيمته اثنا عشر ألف دينار، والتمس منه ألا يهدي إليه شيئا بعد ذلك.

وكان خواصّ الخليفة جميعهم يكرهونه ويحسدونه، وكان الخليفة يعتقد فيه ويحبه وكثروا عليه عنده، فكفّ يده عن أكثر الأمور ونسبه الناس إلى أنه خامر [١] وليس ذلك بصحيح، ومن أقوى الأدلة على عدم مخامرته سلامته في هذه الدولة، فإن السلطان هولاكو لما فتح بغداد وقتل الخليفة سلم البلد إلى الوزير، وأحسن إليه وحكّمه، فلو كان قد خامر على الخليفة لما وقع الوثوق إليه.

حدّثني كمال الدين أحمد بن الضحاك- هو ابن أخت الوزير مؤيد الدين بن العلقميّ- قال لما نزل السلطان هولاكو على بغداد أرسل يطلب أن يخرج الوزير إليه قال: فبعث الخليفة فطلب الوزير فحضر عنده وأنا معه، وقال له الخليفة: قد أنفذ السلطان يطلبك وينبغي أن تخرج إليه، فجزع الوزير من ذلك، وقال يا مولانا:

إذا خرجت فمن يدبر البلد، ومن يتولى المهام؟ فقال الخليفة: لا بد أن تخرج، قال: فقال: السمع والطاعة، ثم مضى إلى داره وتهيأ للخروج ثم خرج، فلما حضر بين يدي السلطان وسمع كلامه وقع بموقع الاستحسان، وكان الّذي تولى تربيته في الحضرة السلطانية الوزير السعيد نصير الدين محمد الطوسيّ- قدس الله


[١] خامر: تآمر وخان.

<<  <   >  >>