للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك هو، فإنّ هذه خاصيّة من خواصّ الملك، وقد سبق ذكرها وكل هذا مأخوذ من الخواصّ الإلهية، فإنّ العناية الإلهية إذا صدرت ذرّة منها إلى النفوس، صار ذلك الإنسان نبيّا أو إماما أو ملكا. وإذا صدرت في حقّ الزمان صار ذاك اليوم يوم العيد الكبير، وليلة القدر، وأيّام الحج، وأيّام المواسم والزيارات لسائر الأمم، وإذا صدرت تلك الذرّة في حقّ المكان، صار بيت مكّة، والبيت المقدّس والمشاهد والجوامع والزيارات والمتعبّدات، ومواضع التقرّبات.

وها هنا موضع حكاية: كان ببغداد حمّال يقال له: عبد الغني بن الدّرنوس فتوصّل في أيام المستنصر [١] حتى صار برّاجا [٢] في بعض أبراج دار الخليفة، فما زال يحسن التوصّل إلى ولد المستنصر وهو المستعصم آخر الخلفاء، وكان في زمن أبيه محبوسا فما زال هذا البرّاج يتعهده بالخدمة طول مدة الأيام المستنصرية إلى أن توفي المستنصر وجلس على سرير الخلافة ولده أبو أحمد عبد الله المستعصم، فعرف لهذا البرّاج حقّ الخدمة، ورتبة متقدم البرّاجين، وفي آخر الأمر استحبّه في باطن داره، واختصّه وقدّمه حتى بلغ إلى أنه صار إذا دخل إلى الوزير ينهض له، ويخلي المجلس من جميع الناس، إذا كان ابن الدرنوس حاضرا وسبب إخلاء المجلس الوزيريّ عند حضور ابن الدّرنوس أنه يمكن أن يكون قد جاء في مشافهة من عند الخليفة. ولقّب: نجم الدين الخاص، وصار من أخصّ الناس بالخليفة. وبلغ من منزلته أنه كان يتعصّب لصاحب الديوان يعرض مطالعاته ومهامّه على يد نجم الدين الخاصّ، وكان يمدّه في كلّ سنة بمال طائل حتى يحفظ غيبه، ويزكّيه في الحضرة الخليفية. وجرى بيني وبين جمال الدين علي بن محمد الدّستجرداني- رحمه الله- كلام في معنى هذا ابن الدّرنوس، فصوّبت أنا رأي المستعصم في الإحسان إليه، وقلت: إنّه خدمه وأثبت عليه حقا، وقد كافأه فلا عيب في هذا. وقال جمال الدين- رحمه الله- ما معناه: إن تسليطه لمثل ذلك


[١] المستنصر: الخليفة العباسي قبل الأخير من خلفاء بغداد. وهو أبو المستعصم. كانت خلافته/ ٦٢٣- ٦٤٠/ هـ.
[٢] البرّاج: آمر برج الحراسة في القصر الخلافي.

<<  <   >  >>