للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مروان بن الحكم [١] خمسة عشر ألفا، ولم يكن المسلمون اعتادوا مثل هذا التبذير، وعهدهم قريب بضبط أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- فنفروا من ذلك، وجرت بينهم وبينه معاتبات ومقاولات. فاعتذر إليهم بأن أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- منعا أنفسهما وأهلهما احتسابا للَّه، وتركا حقّ نفوسهما، وأنا صاحب عيال مددت يدي فوسّعت عليّ وعلى أهلي بشيء من هذا المال، فإن سخطتم هذا فأمري لأمركم تبع. فقالوا أحسنت وأنصفت إذ أعطيت عبد الله بن خالد خمسين ألفا، ومروان خمسة عشر ألفا؟ قال: فإنّي أستعيد ذلك منهما. واستعاد ما أعطاهما. وكان إذا عاتبوه على صادرات أموره التي يحمله عليها ويحسّنها له مروان بن الحكم، يعتذر مرّة، ويلتزم لهم ما يشيرون به عليه، ويحتجّ مرّة. وفشا الأمر فاجتمع ناس من أهل الأمصار على حربه فجاء أهل مصر وناس من كلّ صقع وعزموا على قتله. فخرج ليلا وجاء إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- وقال له: يا ابن عمّ لي عليك حقّ وقد قصدتك، ولك عند هؤلاء القوم منزلة وهم يقبلون قولك، وقد ترى جرأتهم عليّ، فاخرج إليهم وردّهم عنّي، فركب عليّ- عليه السّلام- وردّ الناس عنه وضمن لهم حسن السيرة فرجعوا ثم أعضل [٢] الخطب وزيّن له مروان بن الحكم أمورا نقمها الناس، فاجتمعوا عليه من كلّ صوب وأحاطوا به وحصروه في داره، فأرسل إلى عليّ- عليه السّلام- يستنصره فأرسل إليه ابنه الحسن- عليه السّلام- فقاتل عنه قتالا شديدا، حتى كان يستكفّه [٣] وهو يقاتل عنه ويبذل نفسه دونه. وتكاثر الناس عليه فدخلوا عليه الدّار وخبطوه بالسّيوف، وهو صائم والمصحف في حجره، وهو يقرأ فيه فوقع المصحف


[١] مروان بن الحكم: هو ابن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس. كان من المقرّبين إلى عثمان ابن عفّان واتّخذه كاتبا له. فلمّا قتل عثمان كان مروان من المطالبين بدمه في موقعة الجمل.
ولكنه اضطر إلى مبايعة عليّ والإقامة بالمدينة مكرها حتى ولي الخلافة الأموية بعد معاوية بن يزيد. توفي عام/ ٦٥/ هـ وخلفه ولده عبد الملك. انظر الأعلام ص/ ٢٠٧/.
[٢] أعضل الخطب: اشتدّ الخطر وأشكل الحلّ.
[٣] يستكفّه: يقول له اكفف أو مهلا. كناية عن شدّة استبسال الحسن

<<  <   >  >>