للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مئونة باقية، فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة الخاتلة التي قد تزينت بخدعها، وغرت بغرورها، وقتلت أهلها بأملها، وتشوفت لخطابها، فأصبحت كالعروس المجلوة، العيون اليها ناظرة، والنفوس لها عاشقة، والقلوب اليها والهة، ولألبابها دامغة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة. فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر بما رأى من الأول مزدجر، ولا اللبيب بكثرة التجارب منتفع ولا العارف [باللَّه] والمصدق له حين أخبر عنها مدكر. فأبت القلوب لها الا حبا، وأبت النفوس بها الا ضنا. وما هذا منّا لها الا عشقا، ومن عشق شيئا لم يعقل غيره، ومات في طلبه أو [١] يظفر به، فهما عاشقان طالبان لها، فعاشق قد ظفر بها واغتر وطغى ونسي بها المبدأ والمعاد، فشغل بها لبه، وذهل فيها عقله، حتى زلت عنها قدمه، وجاءته أسر ما كانت له منيته [٢] فعظمت ندامته، وكثرت حسرته، واشتدت كربته مع ما عالج من سكرته.

واجتمعت عليه سكرات الموت بألمه [٣] ، وحسرات الموت بغصته، غير موصوف ما نزل به. وآخر مات قبل ان يظفر منها بحاجته فذهب بكربه وغمه ولم يدرك منها ما طلب، ولم يرح نفسه من التعب والنصب. خرجا جميعا بغير زاد، وقدما على غير مهاد.

فاحذرها الحذر كله فأنها مثل الحية لين مسها وسمها يقتل، فاعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما عاينت من فجائعها، وأيقنت به من فراقها، وشدد ما اشتد منها لرخاء [٤] ما يصيبك


[١] في ز: ولم يظفر به. وفيها: ونسي بها المعارف والمبدأ.
[٢] في ز: وجاءته اشر ما كانت له حنية أو حنبة والتصحيح من التحصيل.
[٣] في ز: بأمله.
[٤] وفيها: لرجاء وهو تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>