للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما دخل سعد والمسلمون بهرسير- وهي المدينة الدنيا- طلبوا السفن ليعبروا إلى المدينة القصوى، وهي المدائن، فلم يقدروا على شيء ووجدوا القوم قد ضموا السفن ولاح للمسلمين الأبيض [١] ، فكبروا وقالوا: هذا أبيض كسرى، هذا ما وعد الله ورسوله.

فأقاموا ببهرسير أياما من صفر، ثم جاء أعلاج، فدلوهم على مخاضة، فتردد سعد في ذلك، ثم فاجأهم المد، فرأى رؤيا، أن خيول المسلمين قد اقتحمت، فعبرت، فقال للناس: إني قد عزمت عَلَى قطع هذا البحر إليهم، فقالوا: عزم الله لنا ولك على الرشد، فافعل.

وأتى بعض العلوج فقال لسعد: إن أقمت ثلاثا ذهب يزدجرد بكل شيء من المدائن، فهيجه عَلَى العبور.

فقال سعد: من يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى تتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم من الخروج؟ فانتدب له عاصم بن عمرو أول الناس، وانتدب معه ستمائة من أهل النجدات، فسار فيهم عاصم حتى وقف على شاطئ دجلة، ثم اقتحموا. فجاءت الأعاجم فقال عاصم: الرماح، فطعنوا القوم فلحقوهم فقتلوا عامتهم. فحينئذ أذن سعد للناس في الاقتحام، فاقتحموا دجلة، وإنها لترمى بالزبد، وإن الناس ليتحدثون في عومهم كما يتحدثون على وجه الأرض، فكان الفرس يقوم براكبه، فربما لم يبلغ الماء الحزام، وربما أعيا الفرس فتظهر له تلعة فيستريح عليها.

وكان سعد يقول في عومه: حسبنا الله ونعيم الوكيل، وسلمان يحادثه في عومه حتى خرجوا فلم يفقدوا شيئا، ولم يغرق إلا رجل وقع من فرسه في الماء، فعاد إليه رجل، فأخذ بيده فعبر. ووقع من رجل قدح، فأخذه آخر، فجاء به إلى/ العسكر فعرفه صاحبه.

فلما رأى العدو ذلك هربوا لا يلوون على شيء، وجعلوا يقولون: إنما تقاتلون


[١] قال ياقوت: «الأبيض قصر الأكاسرة بالمدائن، كان من عجائب الدنيا، لم يزل قائما إلى أيام المكتفي في حدود سنة ٢٩٠» .

<<  <  ج: ص:  >  >>