للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال ها: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: أَبْكِي لأَنَّهُ لا بُدَّ أَنَّ لِي بِنَعْشِكَ [١] وَلَيْسَ لِي ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِي يَسَعُكَ كَفَنًا، وَلَيْسَ لَكَ ثَوْبٌ يَسَعُكَ. قَالَ: لا تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِنَفَرٍ أَنَا فِيهِمْ: «لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنيِنَ» وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ رَجُلٌ إِلا قَدْ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا الَّذِي أَمُوتُ بِفَلاةٍ، وَاللَّهِ، مَا كَذَبَ وَلا كَذَبْتُ، فَأَبْصِرِي الطَّرِيقَ، فَقَالَتْ: أَنَّى وَقَدِ انْقَطَعَ الْحَاجُّ، وَتَقَطَّعَتِ الطُّرُقُ [٢] . وَكَانَتْ تَشْتَدُّ إِلَى كَثِيبٍ تَقُومُ عَلَيْهِ تَنْظُرُ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَتُمَرِّضُهُ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الْكَثِيبِ. فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا هِيَ بِنَفَرٍ تَخُبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمْ الرَّخَمُ، فَلاحَتْ بِثَوْبِهَا، فأقبلوا حتى وقفوا عليها [٣] . قالوا: مالك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه- أَوْ قَالَ: امْرُؤٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [٤] يَمُوتُ فَتُكَفِّنُونَهُ، وَهُوَ الأَصَحُّ [٥]- قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ. فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَوَضَعُوا السِّيَاطَ فِي نُحُورِهَا يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ، حَتَّى جَاءُوا فَقَالَ: أَبْشِرُوا، فَحَدَّثَهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «لا يَمُوتُ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَدَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ، فَيَحْتَسِبَانِ وَيَصْبِرَانِ فَيَرَيَانِ النَّارَ، أَتَسْمَعُونَ لَوْ/ كَانَ لِي ثَوْبٌ يَسَعُنِي كَفَنًا لَمْ أُكَفَّنْ بِهِ إِلا فِي ثَوْبٍ هُوَ لِي أوْ لامرأتي ثَوْبٍ يَسَعُنِي كَفَنًا إِلا فِي ثَوْبِهَا، فَأَنْشُدُكُمُ الله والإسلام أن يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ كَانَ أَمِيرًا أَوْ عَرِيفًا أَوْ نَقِيبًا أَوْ بَرِيدًا، فَكُلُّ الْقَوْمِ قَدْ كَانَ قَارَفَ بَعْضَ ذَلِكَ إِلا فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: أَنَا أُكَفِّنُكَ، فَإِنِّي لَمْ أُصِبْ مِمَّا ذَكَرْتَ شَيْئًا، أُكَفِّنُكَ فِي رِدَائِي هَذَا الَّذِي عَلَيَّ، وَفِي ثَوْبَيْنِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي حَاكَتْهُمَا لِي. قَالَ: أَنْتَ، فَكَفِّنِّي. قَالَ، فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ وَالنَّفَرُ [٦] الَّذِينَ شَهِدُوهُ، فِيهِمْ جَحْشُ بْنُ الأَدْبَرِ، وَمَالِكُ بْنُ الأَشْتَرِ فِي نفر كلهم يمان [٧] .


[١] هكذا بالأصول.
[٢] «أنا وقد انقطع الحاج وتقطعت الطرق» . ساقطة من ت.
[٣] في الأصل: «عليهم» .
[٤] وتكفنونه- أو قال: امرؤ من المسلمين» . ساقطة من ت.
[٥] «وهو الأصح» ساقطة من ت.
[٦] في الأصل: «في النفر» .
[٧] انظر: دلائل النبوة للبيهقي ٦/ ٤٠١، ٤٠٢. ومسند أحمد ٥/ ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>