للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلت لعراف اليمامة داوني ... فإنك إِن داويتني لطبيب

فَمَا بي من حمى وَمَا بي جنة ... ولكن عمي الحميري كذوب

ثُمَّ إِن عروة انصرف إِلَى أهله وأخذه البكاء والهلاس حَتَّى نحل، فلم يبق منه شَيْء، فَقَالَ بَعْض النَّاس: هُوَ مسحور، وَقَالَ قوم: بِهِ جنة، وَقَالَ آخرون: بَل هُوَ موسوس، وإن بالحاضر من اليمامة لطبيبا لَهُ تابع من الجن، وَهُوَ أطب النَّاس، فلو أتيتموه فلعل اللَّه يشفيه.

فساروا إِلَيْهِ من أرض بَنِي عذرة حَتَّى داواه، فجعل يسقيه وينشر عَنْهُ، وهو يزداد سقما، فقال له عروة: هل عندك للحب دواء أَوْ رقية، فَقَالَ: لا والله. فانصرفوا حَتَّى مروا بطبيب بحجر، فعالجه [١] وصنع بِهِ مثل ذَلِكَ، / فَقَالَ لَهُ عروة: والله مَا دائي ولا دوائي إلا شخص بالبلقاء مقيم، فَهُوَ دائي وعنده دوائي. فانصرفوا بِهِ، فأنشأ عِنْدَ ذَلِكَ وجعل يَقُول عِنْدَ انصرافهم بِهِ:

جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف نجد إِن هما شفياني

فقالا نعم يشفى من الداء كُلهُ ... وقاما مَعَ العواد يبتدران

فَمَا تركا من رقية يعلمانها ... ولا سلوة إلا وَقَدْ سقياني

فَقَالَ شفاك اللَّه والله مَا لنا ... بِمَا ضمنت منك الضلوع يدان

فلما قدم عَلَى أهله، وَكَانَ لَهُ أخوات أربع ووالدة وخالة، فمرضنه دهرا، فقال لهن يوما: اعلمن أني لو نظرت إِلَى عفراء نظرة ذهب وجعي، فذهبوا بِهِ حَتَّى نزلوا البلقاء مستخفين، وَكَانَ لا يزال يلم بعفراء وينظر إِلَيْهَا، وكانت عِنْدَ رجل كريم كثير المال والحاشية، فبينا عروة بسوق البلقاء لقيه رجل من بَنِي عذرة فسأله عَن حاله ومقدمه فأخبره، فقال: والله لقد سمعت أنك مريض وأراك قَدْ صححت، فلما أمسى دَخَلَ الرجل عَلَى زوج عفراء، فَقَالَ: مَتَى قدم هَذَا الكلب عليكم الَّذِي فضحكم، قَالَ زوج عفراء: أي كلب هُوَ؟ قَالَ: عروة، قَالَ: وَقَدْ قدم؟ قَالَ: نعم، قَالَ: أَنْتَ أولى بها من أَن تكون كلبا، مَا علمت بقدومه، ولو علمت لضممته إليّ.


[١] في الأصل: «فعاده» .

<<  <  ج: ص:  >  >>