للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَذَرْتُهُ وَرَحِمْتُهُ رَحْمَةً شَدِيدَةً مَا رَحِمْتُ أَحَدًا مِثْلَهَا قَطُّ.

قَالَ علماء السير: فتناهدوا عند انسلاخ المحرم، وبات علي رضي الله عنه عنه يعبي الكتائب، ويقول: لا تقاتلوهم إلا أن يبدءوكم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم. وبعث على خيل أهل الكوفة الأشتر، وعلى خيل أهل البصرة سهل بن حنيف، وعلى رجالة أهل الكوفة عمار بن ياسر، وعلى رجالة أهل البصرة قيس بن سعد وهاشم بن عتبة مع ابنه.

٤٦/ أوبعث/ معاوية على ميمنته ابن ذي الكلاع الحميري، وعلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري، وعلى مقدمته أبو الأعور السلمي، وكان على خيول الشام كلها عمرو بن العاص، ومسلمة بن عقبة على رجالة أهل دمشق، والضحاك بن قيس على رجالة الناس كلهم. وبايع رجال من أهل الشام على الموت، فعقلوا أنفسهم بالعمائم وكانوا خمسة صفوف.

ثم اقتتلوا [١] فكانوا يتبارزون، التقوا جميعا فِي بعض الأيام، لا ينصرف بعضهم عن بعض إلا إلى الصلاة، وكثرت القتلى بينهم، ثم تحاجزوا عند الليل، ثم أصبحوا على القتال، وكان علي رضي الله عنه يتقدم حتى أن النبل لتمر بين عاتقه ومنكبه، وكان معاوية يقول: أردت أن أنهزم، فذكرت قول ابن الإطنابة، والإطنابة امرأة من بلقين وهو:

أبت لي عفتي وحياء نفسي ... وإقدامي على البطل المشيح [٢]

وإعطائي على المكروه مالي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح

وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي

فيمنعني هذا القول من الفرار.

وكان عمار يقول: والله لو ضربونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على الحق وهم على الباطل. وكان يصيح بعمرو بن العاص: يا عمرو، بعت دينك بمصر تبا


[١] تاريخ الطبري ٥/ ٢٤.
[٢] المشيح: المجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>