للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنه قد اقترب أجلي، ولا أحب أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعز فِي الدنيا معاوية ويذل يوم القيامة المغيرة، ولكني قابل من محسنهم، وعاف عن مسيئهم، وواعظ شقيهم حتى يفرق بيني وبينهم الموت، وسيذكروني، ولو قد جربوا العمال بعدي [١] .

فلما هلك المغيرة وولي زياد بن أبي سفيان قام فذكر عثمان وأصحابه فقرظهم وذكر قتلتهم ولعنهم، فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة، فقَالَ: ويل أمك يا حجر، «سقط بك العشاء على سرحان» [٢] .

وفِي رواية أخرى: أن زيادا خطب فأطال الخطبة وأخر الصلاة، فقَالَ له حجر بن عدي: الصلاة فمضى فِي خطبته، ثم قَالَ: الصلاة، فلما خشي الفوت ضرب بيده إلى كف من الحصا، وثار إلى الصلاة، وثار الناس معه، فنزل زياد فصلى بالناس، ثم كتب إلى معاوية فِي أمره، فاستشهد عليه جماعة من أهل مصره، منهم أبو بردة بن أبي مُوسَى أنه خلع الطاعة ودعا إلى الفتنة.

فكتب إليه معاوية أن شده فِي الحديد ثم احمله إلي فبعثه إليه مع جماعة ممن يرى رأيه، فاستوهب بعضهم وبقي بعضهم، فقيل لهم تبرءوا من علي حتى يطلقكم، فلم يفعلوا.

فلما دخل حجر على معاوية قَالَ: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقَالَ له معاوية: لا والله لا أقيلك ولا أستقيلك، أخرجوه فاضربوا عنقه، فأخرج، فقال: دعوني ٩٨/ أأصلي ركعتين، فصلاهما، ثم قَالَ لمن/ حضره من أهله: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما، فإنّي ألاقي معاوية غدا على الجادة. ثم قدم فضربت عنقه، وقتل معه جماعة من أصحابه ممن يرى رأيه.

ولما لقيت عائشة أم المؤمنين معاوية قالت [٣] : يا معاوية، أين كان حلمك عن


[١] الخبر في تاريخ الطبري ٥/ ٢٥٣- ٢٥٥، والأغاني ١٦/ ٤.
[٢] مثل يضرب في طلب الحاجة يؤدي بصاحبها إلى التلف، وأصله أن رجلا خرج يلتمس العشاء، فوقع على ذئب فأكله» .
[٣] تاريخ الطبري ٥/ ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>