للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفَرِّجْ كَلاكَ اللَّهُ عَنِّي فَإِنَّنِي ... لَقِيتُ الَّذِي لَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ قَبْلِي

وَخُذْ لِي هَدَاكَ اللَّهُ حَقِّي مِنَ الَّذِي ... رَمَانِي بِسَهْمٍ كَانَ أَهْوَنَهُ قَتْلِي

وَكُنْتُ أُرْجِي عَدْلَهُ إِنْ أَتَيْتُهُ ... فَأَكْثَرَ تِرْدَادِي مَعَ الْحَبْسِ وَالْكَبْلِ

/ فَطَلَّقْتُهَا مِنْ جَهْدِ مَا قَدْ أَصَابَنِي ... فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ من العذل

١١٩/ أفقال مُعَاوِيَةُ: ادْنُ بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ، مَا خَطْبُكَ؟ فَقَالَ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، تَزَوَّجْتُ ابْنَةَ عَمٍّ لِي، وَكَانَتْ لِي صِرْمَةٌ مِنْ إِبِلٍ وَشُوَيْهَاتٍ، فَأَنْفَقْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصَابَتْنِي نَائِبَةُ الزَّمَانِ وَحَادِثَاتُ الدَّهْرِ رَغِبَ عَنِّي أَبُوهَا، وَكَانَتْ جَارِيَةً فِيهَا الْحَيَاءُ وَالْكَرَمُ، فَكَرِهْتُ مُحَالَفَةَ أَبِيهَا، فَأَتَيْتُ عَامِلَكَ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَبَلَغَهُ جَمَالُهَا، فَأَعْطَى أَبَاهَا عَشَرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ وَتَزَوَّجَهَا وَأَخَذَنِي فَحَبَسَنِي وَضَيَّقَ عَلَيَّ، فَلَمَّا أَصَابَنِي مَسُّ الْحَدِيدِ وَأَلَمُ الْعَذَابِ طَلَّقْتُهَا، وَقَدْ أَتَيْتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْتَ غَيَّاثُ الْمَحْرُوبِ وَسَنَدُ الْمَسْلُوبِ، فَهَلْ مِنْ فَرَجٍ، ثُمَّ بَكَى وَقَالَ فِي بُكَائِهِ:

فِي الْقَلْبِ مِنِّي نَارٌ وَالنَّارُ فِيهَا شَرَارٌ ... وَالْجِسْمُ مِنِّي نَحِيلٌ وَاللُّوْنُ فِيهِ اصْفِرَارٌ

وَالْعَيْنُ تَبْكِي بِشَجْوٍ وَدَمْعُهَا مِدْرَارٌ ... وَالْحُبُّ دَاءٌ عَسِيرٌ فِيهِ الطَّبِيبُ يُحَارُ

حَمَلْتُ مِنْهُ عَظِيمًا فَمَا عَلَيْهِ اصْطِبَارٌ ... فَلَيْسَ لَيْلِي بِلَيْلٍ وَلا نَهَارِي نَهَارٌ

فَرَقَّ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَكَتَبَ لَهُ إِلَى ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ كِتَابًا غَلِيظًا، وَكَتَبَ فِي آخِرِهِ يَقُولُ:

رَكِبْتَ أَمْرًا عَظِيمًا لَسْتُ أَعْرِفُهُ ... أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ جَوْرِ امْرِئٍ زَانٍ

قَدْ كُنْتَ تُشْبِهُ صُوفِيًّا لَهُ كُتُبٌ ... مِنَ الْفَرَائِضِ أَوْ آثَارِ فُرْقَانٍ [١]

حَتَّى أَتَانِي الْفَتَى الْعُذْرِيُّ مُنْتَحِبًا ... يَشْكُو إِلَيَّ بِحَقٍّ غَيْرِ بُهْتَانٍ

أَعْطَى الإِلَهُ عُهُودًا لا أَجِيشُ بِهَا ... أَوْ لا فَبَرِئْتَ مِنْ دِينٍ وَإِيمَانٍ

إِنْ أَنْتَ رَاجَعْتَنِي فِيمَا كَتَبْتُ بِهِ ... لأَجْعَلَنَّكَ لَحْمًا عِنْدَ عُقْبَانِ [٢]

طَلِّقْ سُعَادَ وَفَارِقْهَا بِمُجْتَمَعٍ ... وَأَشْهِدْ على ذاك نصرا وابن ظبيان


[١] في الأصل: «تحت الفرائض أو آثار فرحان» .
[٢] في الأصل: «بين عقبان» .

<<  <  ج: ص:  >  >>