للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَفْسِهَا- فَنَظَرَ فِي الْمِرْآةِ، فَالْتَقَى وَجْهُهُ وَوَجْهُهَا فِي الْمِرْآةِ، فَرَأَى شَبَابَهَا وَجَمَالَهَا، وَرَأَى الشَّيْبَ فِي لِحْيَتِهِ قَدْ أَلْحَقَهُ بِالشُّيُوخِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: الْحَقِي بِأَبِيكِ. فَانْطَلَقَتْ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِيهَا فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: وَهَلْ تُطَلَّقُ الْحُرَّةُ. قَالَتْ: مَا أُوتِيَ مِنْ قِبَلِي، وَأَخْبَرَتْهُ خَبَرَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَكْرَمْتُكَ بِابْنَتِي ثُمَّ رَدَدَتْهَا عَلَيَّ. قَالَ: إِنِّي أُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَنَّ عَلَيَّ بِفَضْلِهِ، وَجَعَلَنِي كَرِيمًا لا أُحِبُّ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيَّ أَحَدٌ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ أَعْجَزَتْنِي مُكَافَأَتُهَا لِحُسْنِ صُحْبَتِهَا، فَنَظَرْتُ فِإِذَا أَنَا شَيْخٌ وَهِيَ شَابَّةٌ، لا أَزِيدُهَا مَالا إِلَى مَالِهَا، وَلا شَرَفًا إِلَى شَرَفِهَا، فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهَا إِلَيْكَ، فَتُزَوِّجَهَا فَتًى مِنْ فِتْيَانِكَ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ.

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بن أَحْمَد بن مُحَمَّد الثعالبي قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سهل محمود بن عمر العُكْبري قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن علي بن الفرج بن أبي روح قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد القرشي قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن عباد بن مُوسَى العكلي قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بن علي بن زبان قَالَ: حَدَّثَنِي سفيان بن عبدة الحميري وعبيد بن يَحْيَى الهجري قَالا: خرج إلى عَبْد اللَّهِ بن عامر بن ١٢٨/ أكرز وهو عامل العراق لعُثْمَان بْن عَفَّانَ [١] / رجلان من أهل المدينة، أحدهما: ابن جابر بن عَبْد اللَّهِ الأنصاري، والآخر: من ثقيف، فكتب إلى ابن عامر فيما يكتب من الأخبار، فأقبلا يسيران حتى إذا كانا بناحية البصرة قَالَ الأنصاري للثقفي: هل لك فِي رأي رأيته: قَالَ: اعرضه. قَالَ: رأيت أن أنخ رواحلنا [٢] ونتناول مطاهرنا، فنمس ماء، ثم نصلي ركعتين ونحمد الله على ما قضى من سفرنا. قَالَ: هذا الذي لا يرد، فتوضيا، ثم صليا ركعتين، فالتفت الأنصاري إلى الثقفِي فقَالَ: يا أخا ثقيف، ما رأيك؟ قال:

وأي موضع رأي هذا، قضيت سفري، وأنضيت بدني، وأنضيت راحلتي [٣] ، ولا مؤمل دون ابن عامر، فهل لك رأي غير هذا؟ قَالَ: نعم، إني لما صليت هاتين الركعتين فكرت فاستحييت من ربي تبارك وتعالى أن يراني طالبا رزقا من غيره، اللَّهمّ ارزق ابن عامر وارزقني من فضلك. ثم ولى راجعا إلى المدينة، ودخل الثقفي البصرة، فمكث


[١] في ت: «عثمان» بإسقاط ابن عفان.
[٢] في ت: «أن ننخ رواحلنا» .
[٣] في الأصل: «انضتني راحلتي» .

<<  <  ج: ص:  >  >>