للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَأَلَ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُكَ، فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ [١] / بْنِ عُبَادَةَ. قال ١٣٠/ أالجهنيّ: مَا أَعْرَفَنِي بِنَسَبِكَ، وَابْتَاعَ مِنْهُ خَمْسَ جَزَائِرَ، كُلَّ جَزُورٍ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ. ثُمَّ قَالَ: فَأَشْهِدْ لِي فَأَشْهَدَ لَهُ نَفَرًا مِنَ الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَكَانَ فِيمَنْ أُشْهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقَالَ عُمَرُ: لا أَشْهَدُ هَذَا بِدَيْنٍ وَلا مَالَ لَهُ، إِنَّمَا الْمَالُ لأَبِيهِ. فَقَالَ الْجُهَنِيُّ [٢] : مَا كَانَ سَعْدٌ لِيُمَنِّي بِابْنِهِ فِي شِقَّةٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَرَى وَجْهًا حَسَنًا، وَفِعْلا شَرِيفًا. فَكَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَقَيْسٍ كَلامٌ حَتَّى أَغْلَظَ لِقَيْسٍ، وَأَخَذَ الْجُزُرَ فَنَحَرَهَا لَهُمْ فِي مَوَاطِنَ ثَلاثٍ كُلَّ يَوْمٍ جَزُورًا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ نَهَاهُ أَمِيرُهُ فَقَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ تَخْفِرَ ذِمَّتَكَ وَلا مَالَ لَكَ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: أَقْبَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَمَعَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ أَنْ لا تَتَّجِرَ، أَتُرِيدُ أَنْ تَخْفِرَ ذِمَّتَكَ فَقَالَ قَيْسٍ: يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، أَتَرَى أَبَا ثَابِتٍ يَقْضِي دُيُونَ النَّاسِ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، ويُطْعِمُ فِي الْمَجَاعَةِ، لا يَقْضِي عَنِّي شِقَّةً مِنْ تَمْرٍ لِقَوْمٍ مُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَلِينُ لَهُ، وَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ: اعْزِمْ فَعَزَمَ عَلَيْهِ، وَأَبَى أَنْ يَنْحَرَ وَبَقِيَتْ جَزُورَانِ، فَقَدِمَ بِهَا قَيْسٌ الْمَدِينَةَ ظَهْرًا يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهَا، وَبَلَغَ سَعْدًا مَا أَصَابَ الْقَوْمَ مِنَ الْمَجَاعَةِ فَقَالَ: إِنْ يَكُنْ قَيْسٌ كَمَا أَعْرِفُ فَيَنْحَرُ لِلْقَوْمِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَيْسٌ لَقِيَهُ سَعْدٌ فَقَالَ: ما صنعت في القوم؟ قَالَ:

نَحَرْتُ. قَالَ: أَصَبْتَ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: نَحَرْتُ. قَالَ: أَصَبْتَ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: نَحَرْتُ.

قَالَ: أَصَبْتَ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: نُهِيتُ. قَالَ: مَنْ نَهَاكَ؟ قَالَ: أَبُو عُبَيْدَةَ أَمِيرِي. قَالَ:

وَلِمَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ لا مَالَ لِي، وَإِنَّمَا الْمَالُ لَكَ [٣] ، فَقُلْتُ: أَبِي يَقْضِي عَنِ الأباعد، ويحمل الكل، ويطعم في الْمَجَاعَةَ، فَلا يَصْنَعُ هَذَا بِي. قَالَ: فَلَكَ أَرْبَعُ حَوَائِطَ أَدْنَاهَا حَائِطٌ تَحْمِلُ خَمْسِينَ وَسْقًا.

قَالَ: وَقَدِمَ الْبَدَوِيُّ مَعَ قَيْسٍ فَأَوْفَاهُ وَسْقَهُ وَحَمَلَهُ وَكَسَاهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِعْلِ قَيْسٍ، فَقَالَ: «إِنَّهُ فِي بَيْتِ جُودٍ» . قَالَ علماء السير: مرض قيس بن سعد واستبطأ إخوانه فِي العيادة، فقيل له: إنهم


[١] «بن قيس» : ساقط من ت.
[٢] في الأصل: «فقال سعد» .
[٣] في الأصل: «الملك لك» .

<<  <  ج: ص:  >  >>