للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما عزم على المسير، قال بعض أصحابه: إن قتلة الحسين بالكوفة عمر بن سعد ورءوس القبائل، فأنى نذهب.

وقال آخرون: بل نقصد ابن زياد فهو الذي عبى الجنود إليه فإن ظهرنا عليه كان من بعده أهون شوكة، وكان عمر بن سعد في تلك الأيام لا يبيت إلا في قصر الإمارة مخافة على نفسه، وجاء عبيد الله بن يزيد والي الكوفة إلى سليمان فقال: قم حتى نبعث معك جيشا كثيفا، فلم يقم وأدلج عشية الجمعة لخمس مضين من ربيع الآخر سنة خمس وستين، ولم يزل يسير إلى أن أتى قبر الحسين عليه السلام، فأقام عنده يوما وليلة، فجعل أصحابه يبكون ويتمنون لو أصيبوا معه، وجعلوا يستغيثون: يا رب إنا خذلنا ابن بنت نبيك فاغفر لنا ما مضى منا وتب علينا.

ووصل كتاب عبد الله بن يزيد إلى سليمان بن صرد، وفيه: هذا كتاب ناصح محب، بلغني أنكم تسيرون بالعدد القليل إلى الجمع الكثير، وإنه من يرد أن ينقل الجبال عن مراتبها تكل معاوله، وينزع [وهو] مذموم العقل والفعل، ومتى أصابكم عدوكم طمع في من وراءكم: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ١٨: ٢٠ [١] . يا قوم، إن أيدينا وأيديكم واحدة، ومتى اجتمعت كلمتنا [نظهر] [٢] على عدونا.

فلما قرأ الكتاب على أصحابه، قال: ما ترون؟ قالوا: إنا قد أبينا هذا عليهم ونحن في مصرنا، فالآن حين دنونا من أرض العدو، ما هذا برأي. فساروا مجدين إلى أن وصلوا عين وردة، فأقاموا بها خمسا، فأقبل أهل الشام في عساكرهم، فقدم المسيب بن نجية فلقي أوائل القوم فأصابهم بالجراح فانهزموا فأخذوا منهم ما خف، فبلغ الخبر ابن زياد، / فبعث الحصين بن نمير مسرعا في اثني عشر ألفا، فاقتتلوا فكان الظفر لسليمان إلى أن حجز بينهم الليل فأمدهم ابن زياد بذي الكلاع في ثمانية آلاف فكثروهم، فنزل سليمان ونادى: عباد الله، من أراد البكور إلى ربه، والتوبة من ذنبه، والوفاء بعهده، فإلي، ثم كسر جفن سيفه، ونزل ناس كثير، فقاتلوا فقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة.


[١] سورة: الكهف، الآية: ٢٠.
[٢] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>