للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخليل منفردا بعلم العربية متعبدا ذا زهادة في الدنيا.

كتب إليه سليمان بن علي الهاشمي يستدعيه لتعليم ولده بالنهار ومنادمته بالليل، وبعث إليه ألف دينار ليستعين بها على حاله، فأخرج إلى الرسول زنبيلا فيه كسر يابسة، فأراه إياها [١] وقال له: إني ما دمت أجد هذه الكسر فإني عنه غني وعن غيره، ورد الألف دينار وقال للرسول: اقرأ على الأمير السلام وقل له: إني قد ألفت قوما، وألفوني، أجالسهم طول نهاري وبعض ليلي، وقبيح لمثلي أن يقطع عادة تعودها [٢] إخوانه، وكتب إليه بهذه الأبيات:

أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أني لست ذا مال

وإن بين الغنى والفقر منزلة ... مقرونة بجديد ليس بالبالي

سخى بنفسي أني لا أرى أحدا ... يموت هزلا ولا يبقى على حال

والفقر في النفس لا في المال نعرفه ... ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال

والرزق عن قدر لا العجز ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال

كل امرئ بحبال الموت مرتهن ... فاعمد لبالك إني عامد بالي

وقد روي لنا أن الذي بعث إليه سليمان بن حبيب المهلبي، بعث إليه من أرض السند. وكان الخليل بالبصرة، وهذا أليق بالصحة، وقيل: من أرض الأهواز، ثم آل الأمر إلى أن صار الخليل وكيلا ليزيد بن حاتم المهلبي، وكان يجري عليه في كل شهر مائتي درهم.

قال الثوري: اجتمعنا بمكة، أدباء كل أفق، فتذاكرنا أمر العلماء، فجعل أهل كل بلد يرفعون علماءهم ويصفونهم حتى جرى ذكر الخليل فلم يبق أحد منهم إلا قال:

الخليل أذكى العرب، وهو مفتاح العلوم ومصرفها.

وقال نصر بن علي الجهضمي، عن أبيه: كان الخليل من أزهد الناس وأعلاهم نفسا، وأشدهم [٣] تعففا، ولقد كان الملوك يقصدونه ويتعرضون [له] [٤] لينال منهم فلم


[١] «فأراه إياها» ساقطة من ت.
[٢] في الأصل: «تعودوها إخوانه» . وما أوردناه من ت.
[٣] في الأصل: «أشددهم» . وما أوردناه من ت.
[٤] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>