للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن ذلك/ أنه قَالَ [فِيهِ] [١] : يا طالب العلم والأدب اعرف الأصول والفصول، ٢٥/ أفإن من الناس من يطلب الفصول مَعَ إضاعة الأصول، فلا تكون دركهم دركا، ومن أحرز الأصول اكتفى بها من الفصول، فإن أصاب الفصل بعد إحراز الأصل فهو أفضل، وأفضل الأمر أن تعقد على الإيمان، وتجتنب الكبائر، وتؤدي الفريضة، فإن قدرت أن تجاوز إِلَى الفقه والعبادة، فهو أفضل، وأصل الأمر فِي إصلاح البدن أن لا يحمل عليه من المآكل والمشارب والباءة إلا خفا، ثُمَّ إن قدرت أن تعلم عَنْ جميع منافع الجسد ومضاره فهو أفضل. وأصل الأمر فِي المعيشة أن لا تني عَنْ طلب الحلال، وتحسن التقدير لما تفيد وتنفق، ولا تغرنك سعة تكون فِيهَا، فإن أعظم الناس خطرا أحوجهم إِلَى التقدير، والملوك أحوج الناس إِلَيْهِ من السوقة، فإن السوقة قَدْ يعيشون بغير مال، والملوك لا قوام لهم إلا بالمال.

وإن ابتليت بالسلطان فتغوث بالعلماء، واعلم أن قائل المدح كمادح نفسه، والراد لَهُ ممدوح، والقائل لَهُ معيب، إنك إن تلتمس رضا الناس تلتمس مَا لا يدرك، فعليك بالتماس رضا الأخيار ذوي العقول، احرص الحرص كله على أن تكون خابرا بأمور عمالك، فإن المسيء يفرق من خبرتك قبل أن يصيبه وقعك، وإن المحسن يستبشر بعلمك قبل أن يأتيه معروفك، تعرف الناس فيما يعرفون من أخلاقك، إنك لا تعاجل بالثواب ولا بالعقاب، فإن ذلك أدوم لخوف الخائف ورجاء الراجي.

واعلم أن رأيك لا يتسع لكل شيء، فدعه للمهم، فإن مالك لا يغني الناس كلهم، فاخصص به أهل الحق، وكرامتك لا تطيق العامة، فتوخ بها أَهْل الفضل.

واعلم [٢] إنما شغلت من رأيك فِي غير [٣] المهم أزرى بك فِي المهم، ليس للملك أن يغضب، لأن القدرة من وراء حاجته، ولا/ أن يكذب، لأنه لا يقدر أحد عَلَى استكراهه ٢٥/ ب على مَا لا يريد، ولا أن يبخل، لأنه أول النّاس عذرا فِي خوف الفقر، ولا أن يكون حقودا، لأن خطره قَدْ جل عَنِ المجازاة، وليتفقد الوالي حاجة الأحرار فيسد بها طغيان السفلة فيقمعه [٤] وليتق حرم الكريم الجائع، واللئيم الشبعان، فإنما يصول الكريم إذا


[١] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[٢] في الأصل: «والعلم» وما أثبتناه من ت.
[٣] في الأصل: «في رأي المهم» وما أثبتناه من ت.
[٤] في الأصل: «فليقمعه» وما أثبتناه من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>